استعادة رفات رهائن إسرائيليين من غزة وتأثيرها على مفاوضات الهدنة
في تطور ميداني وإنساني بالغ الأهمية، أعلن الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع الأخيرة عن نجاحه في استعادة رفات عدد من الرهائن الذين كانوا محتجزين في قطاع غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023. هذه العمليات، التي وصفتها إسرائيل بالمعقدة والاستخباراتية، أعادت تسليط الضوء على مصير المحتجزين وألقت بظلالها على مسار مفاوضات وقف إطلاق النار المتعثرة بين إسرائيل وحركة حماس.

تفاصيل عمليات استعادة الرفات
اعتمدت عمليات استعادة جثامين الرهائن على معلومات استخباراتية دقيقة، قادت إلى عمليات عسكرية محددة نفذتها قوات خاصة من الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك). تركزت هذه العمليات في مناطق معقدة، مثل شبكة الأنفاق في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، والتي تعتبر من أبرز معاقل حركة حماس.
في مايو 2024، تم الإعلان عن عمليتين كبيرتين أسفرتا عن استعادة رفات سبعة رهائن في المجمل:
- العملية الأولى: تم فيها استعادة جثامين كل من شاني لوك، وعמית بوسكيلة، وإسحاق غليرنتر. وأفادت المعلومات الإسرائيلية بأن الثلاثة قُتلوا خلال هجوم السابع من أكتوبر في منطقة مهرجان نوفا الموسيقي، وتم نقل جثامينهم إلى غزة.
 - العملية الثانية: بعد أسبوع، أعلن الجيش عن استعادة رفات حنان يابلونكا، وميشيل نيسنباوم، وأوريون هيرنانديز رادو، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والمكسيكية. ومثل المجموعة الأولى، قُتل هؤلاء أيضًا في السابع من أكتوبر.
 
هذه الإعلانات قدمت إجابات مؤلمة لعائلات انتظرت مصير أبنائها لأكثر من سبعة أشهر، وأتاحت لهم فرصة إقامة مراسم دفن لائقة، وهو ما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بـ "واجب أخلاقي مقدس".
الخلفية والسياق الأوسع
تأتي هذه العمليات في سياق حرب مستمرة دخلت شهرها الثامن، وكان من بين أهدافها المعلنة من قبل إسرائيل، إلى جانب تفكيك قدرات حماس العسكرية، إعادة جميع الرهائن البالغ عددهم نحو 250 شخصًا تم اختطافهم في 7 أكتوبر. بعد هدنة مؤقتة في نوفمبر 2023 تم خلالها تبادل عشرات الرهائن بأسرى فلسطينيين، تشير التقديرات الإسرائيلية إلى بقاء حوالي 120 رهينة في غزة، يُعتقد أن ما لا يقل عن 40 منهم قد فارقوا الحياة.
ملف الرهائن يمثل نقطة ضغط هائلة على الحكومة الإسرائيلية، حيث تنظم عائلات المحتجزين احتجاجات شبه يومية للمطالبة بإبرام صفقة فورية لإعادتهم، سواء كانوا أحياءً أم أمواتًا.
التداعيات على المفاوضات والضغط السياسي
على عكس ما قد يبدو للوهلة الأولى، لم تؤدِ عمليات استعادة الرفات إلى تخفيف الضغط على حركة حماس بقدر ما زادت من حدة الضغط الداخلي على حكومة بنيامين نتنياهو. فبينما تُظهر هذه العمليات قدرة استخباراتية وعسكرية، إلا أنها تؤكد في الوقت ذاته المخاوف من أن الوقت ينفد بالنسبة للرهائن الأحياء، وأن الحل العسكري قد لا ينجح في إعادتهم جميعًا سالمين.
تستخدم المعارضة الإسرائيلية وعائلات الرهائن هذه التطورات للتأكيد على أن المسار الدبلوماسي والتفاوضي هو السبيل الوحيد لإنهاء هذه المأساة. ويرون أن كل جثمان يتم استعادته عبر عملية عسكرية هو دليل على فشل الحكومة في التوصل إلى صفقة كانت قد تضمن عودة هؤلاء الرهائن أحياءً في وقت سابق. هذا الوضع يضع الحكومة الإسرائيلية أمام معضلة: الموازنة بين مواصلة الضغط العسكري الذي قد يعرض حياة الرهائن للخطر، وبين تقديم تنازلات مؤلمة في المفاوضات قد تراها أطراف في الائتلاف الحاكم استسلامًا لمطالب حماس.
الأهمية والآفاق المستقبلية
تكمن أهمية هذه الأحداث في كونها تجسيدًا للواقع المعقد للحرب في غزة. فكل عملية ناجحة لاستعادة رفات هي بمثابة "انتصار معنوي" لإسرائيل يقدم بعض العزاء للعائلات، ولكنه في الوقت نفسه يغذي النقاش العام حول استراتيجية الحرب وجدوى الاعتماد على الخيار العسكري وحده لحل قضية الرهائن.
مع استمرار جمود المفاوضات التي تتوسط فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، يبقى مصير الرهائن المتبقين مجهولًا. وتستمر إسرائيل في التأكيد على أنها لن توقف عملياتها العسكرية حتى تحقيق أهدافها، بما في ذلك إعادة جميع المحتجزين، بينما تتمسك حماس بضرورة وقف إطلاق نار دائم كشرط أساسي لإبرام أي صفقة تبادل شاملة. في هذا المشهد، تظل عمليات استعادة الرفات تذكيرًا داميًا بالتكلفة البشرية الباهظة لهذا الصراع.




