إسرائيل تؤكد استمرار سيطرتها على توزيع المساعدات في غزة
أكدت مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية خلال الأيام الأخيرة، أن إسرائيل ستواصل الإبقاء على الصلاحيات الكاملة والمسؤولية عن إدارة وتوزيع المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة. يأتي هذا الموقف في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية بالقطاع وتتزايد الضغوط الدولية للسماح بوصول المساعدات بشكل آمن ومن دون عوائق لمواجهة خطر المجاعة المحدق بالسكان.

خلفية الأزمة الإنسانية
منذ بدء العمليات العسكرية في أعقاب هجوم 7 أكتوبر 2023، فرضت إسرائيل حصاراً شبه كامل على قطاع غزة، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والماء والدواء والوقود. وتحذر منظمات الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الأغذية العالمي، من أن أجزاء كبيرة من سكان القطاع، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة، تواجه مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، مع وجود خطر حقيقي بحدوث مجاعة، خاصة في المناطق الشمالية التي يصعب الوصول إليها.
آلية السيطرة الإسرائيلية على المساعدات
تتم عملية إدخال المساعدات إلى غزة عبر آلية معقدة تخضع لرقابة إسرائيلية صارمة. وتتولى وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT)، وهي هيئة تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، مسؤولية فحص جميع الشحنات القادمة إلى القطاع.
- المعابر البرية: تدخل غالبية المساعدات عبر معبري رفح (مع مصر) وكرم أبو سالم (مع إسرائيل). تخضع جميع الشاحنات لعمليات تفتيش أمنية دقيقة من قبل السلطات الإسرائيلية قبل السماح لها بالعبور.
- التبرير الأمني: تقول إسرائيل إن هذه الإجراءات ضرورية لمنع تهريب الأسلحة أو المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن تستخدمها حركة حماس أو فصائل أخرى.
- الانتقادات الدولية: تتهم وكالات الإغاثة الدولية والأمم المتحدة هذه الإجراءات بأنها بطيئة ومعقدة بشكل مفرط، وتتسبب في تأخير كبير في وصول الإمدادات الحيوية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية.
التطورات الأخيرة والبدائل المطروحة
في ظل الصعوبات التي تواجهها القوافل البرية، بدأ المجتمع الدولي في استكشاف طرق بديلة لإيصال المساعدات، لكنها تظل تحت إشراف أمني إسرائيلي.
الممر البحري: تم مؤخراً تفعيل ممر بحري من قبرص إلى غزة، حيث وصلت أول سفينة مساعدات تابعة لمنظمة (Open Arms) بالتعاون مع (World Central Kitchen). ومع ذلك، تخضع جميع الشحنات لتفتيش أمني إسرائيلي في ميناء لارنكا القبرصي قبل انطلاقها.
الإنزال الجوي: قامت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة والأردن ومصر، بعمليات إنزال جوي للمساعدات. ورغم أن هذه العمليات توفر إغاثة فورية، إلا أن كمياتها محدودة جداً مقارنة بالاحتياجات الهائلة، كما أنها تنطوي على مخاطر، ولا تضمن التوزيع العادل.
الرصيف الأمريكي المؤقت: أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لبناء رصيف بحري مؤقت على ساحل غزة لتسهيل استقبال شحنات المساعدات الكبيرة. وأكد المسؤولون الأمريكيون أن هذا المشروع سيتم بالتنسيق الكامل مع إسرائيل التي ستتولى الإشراف الأمني على العملية.
الأهمية والتداعيات
يشير إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على آلية توزيع المساعدات إلى أنها تعتبر هذه القضية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها الأمنية والعسكرية في الصراع. ويرى محللون أن هذه السيطرة تمنح إسرائيل نفوذاً كبيراً على الأوضاع داخل القطاع. وفي المقابل، يرى منتقدون أن هذه السياسة ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي وتستخدم التجويع كسلاح في الحرب، وهو ما تنفيه إسرائيل بشدة. ويبقى ملف المساعدات نقطة خلاف رئيسية بين إسرائيل وحلفائها الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يطالبون بزيادة تدفق المساعدات بشكل فوري ومستدام لتجنب كارثة إنسانية أوسع نطاقاً.





