اتفاق تجاري شامل يجنّب الصين رسوماً أمريكية تصل إلى 100%
شكلت التصريحات الصادرة عن مسؤولين أمريكيين كبار، وعلى رأسهم وزير الخزانة، حول إمكانية تجنيب الصين رسوماً جمركية عقابية قد تصل إلى 100% مقابل التوصل إلى اتفاق تجاري، محوراً رئيسياً في فصول الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد عكست هذه التصريحات استراتيجية واشنطن التفاوضية التي كانت تهدف إلى الضغط على بكين لتقديم تنازلات جوهرية في ممارساتها التجارية.
خلفية النزاع التجاري
اندلعت التوترات التجارية بشكل علني خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي تبنت نهجاً حمائياً بهدف معالجة ما وصفته بـ"الممارسات التجارية غير العادلة" من جانب الصين. تركزت الشكاوى الأمريكية على عدة نقاط، أبرزها العجز التجاري الكبير لصالح الصين، والاتهامات بسرقة الملكية الفكرية، وإجبار الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا مقابل الوصول إلى السوق الصينية.
رداً على ذلك، بدأت الولايات المتحدة في عام 2018 بفرض رسوم جمركية على مئات المليارات من الدولارات من البضائع الصينية، مما دفع بكين إلى اتخاذ إجراءات انتقامية بفرض رسوم على واردات أمريكية. تصاعدت الحرب التجارية بسرعة لتشمل قطاعات واسعة، مما أثار حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية وأثر سلباً على سلاسل التوريد الدولية.
دور المفاوضات والتهديدات العقابية
في خضم هذا التصعيد، كانت المفاوضات التجارية عالية المستوى هي السبيل الوحيد نحو التهدئة. وقاد هذه المحادثات من الجانب الأمريكي مسؤولون بارزون مثل وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين. كانت استراتيجية التفاوض الأمريكية تعتمد على أسلوب "العصا والجزرة"، حيث تم استخدام التهديد بفرض رسوم جمركية إضافية، تصل أحياناً إلى نسبة 100% على سلع معينة، كأداة ضغط قوية لإجبار بكين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات حقيقية.
كان الهدف من هذه التهديدات ليس فقط معاقبة الصين، بل دفعها نحو إبرام اتفاق شامل يعالج القضايا الهيكلية التي طالما اشتكت منها واشنطن، بدلاً من الحلول المؤقتة.
اتفاق "المرحلة الأولى" وتداعياته
بعد جولات ماراثونية من المفاوضات، توصل الطرفان إلى ما عُرف باتفاق "المرحلة الأولى" التجاري، الذي تم توقيعه في يناير 2020. اعتبر هذا الاتفاق هدنة في الحرب التجارية، وتضمن عدة بنود رئيسية:
- التزام الصين بزيادة مشترياتها من السلع والخدمات الأمريكية بشكل كبير على مدى عامين، خاصة في قطاعات الزراعة والطاقة والسلع المصنعة.
- تعهدات من بكين بتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية ووقف عمليات نقل التكنولوجيا القسرية.
- فتح أوسع لسوق الخدمات المالية الصينية أمام الشركات الأمريكية.
في المقابل، وافقت الولايات المتحدة على خفض بعض الرسوم الجمركية التي كانت قد فرضتها على السلع الصينية، وألغت خططاً لفرض رسوم جديدة. ومع ذلك، بقي جزء كبير من الرسوم المفروضة سارياً، كما أن الاتفاق لم يعالج العديد من القضايا الشائكة، مما جعله حلاً جزئياً ومؤقتاً للنزاع.
المشهد الحالي في ظل الإدارة الجديدة
مع وصول إدارة الرئيس جو بايدن، تغيرت لهجة الخطاب ولكن استمر النهج الحازم تجاه الصين. أبقت الإدارة الجديدة على معظم الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة السابقة، لكنها ركزت بشكل أكبر على بناء تحالفات دولية لمواجهة الممارسات الصينية، والتركيز على المنافسة الاستراتيجية في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، مثل أشباه الموصلات. وصرحت وزيرة الخزانة الحالية، جانيت يلين، في مناسبات عدة بأن الولايات المتحدة تسعى إلى علاقة اقتصادية "صحية" مع الصين، لكنها لن تتردد في استخدام أدواتها لمعالجة الممارسات الاقتصادية غير العادلة.
الأهمية والتأثير العالمي
تظل العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ذات أهمية قصوى للاقتصاد العالمي. فأي تصعيد أو تهدئة في هذا النزاع ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأسواق المالية، وتكاليف الإنتاج للشركات العالمية، وأسعار السلع للمستهلكين حول العالم. وبالتالي، فإن أي حديث عن اتفاقات تجارية أو فرض رسوم جمركية جديدة يُراقب عن كثب من قبل الحكومات والمستثمرين، نظراً لتأثيره العميق على مستقبل التجارة العالمية وسلاسل الإمداد الدولية.




