اختتام مهرجان القاهرة لمسرح العرائس والكشف عن أبرز توصيات دورته الأولى
اختتمت أكاديمية الفنون في أواخر عام 2023 فعاليات الدورة الأولى من مهرجان القاهرة لمسرح العرائس، التي أُهديت لروح الفنان الكبير جمال الموجي. لم تكن هذه الدورة مجرد احتفال بفن العرائس العريق، بل كانت منصة محورية لإطلاق مجموعة من التوصيات الاستراتيجية الرامية إلى إحياء هذا الفن وتطويره في مصر، وذلك بعد نقاشات مستفيضة شارك فيها فنانون وباحثون ومهتمون على مدار أيام المهرجان.

خلفية المهرجان وأهمية مسرح العرائس
يمتلك مسرح العرائس في مصر تاريخًا غنيًا يضرب بجذوره عميقًا في التراث الثقافي والفني للبلاد. من خيال الظل القديم إلى الأوبريت الشهير "الليلة الكبيرة"، لطالما كان للعرائس مكانة خاصة في الوجدان المصري. ومع ذلك، واجه هذا الفن تحديات جمة في العقود الأخيرة، تمثلت في تراجع الإنتاج، وقلة الدعم، وصعوبة جذب الجماهير الشابة التي تتجه نحو أشكال الترفيه الحديثة. جاء مهرجان القاهرة الأول لمسرح العرائس ليكون استجابة مباشرة لهذه التحديات، بهدف رئيسي هو إعادة الزخم لهذا الفن الأصيل. وقد ركز المهرجان على تشجيع الإبداع بين الفنانين الشباب، ودعم الكتابة الدرامية الجديدة المخصصة للعرائس، وتقديم الدعم الفني واللوجستي للإنتاجات الجديدة، بالإضافة إلى الحفاظ على هذا الإرث الفني العريق وتطويره ليواكب العصر. وتأتي تسمية الدورة باسم الفنان جمال الموجي لتؤكد على تقدير الرواد الذين أثروا هذا الفن، ولترمز إلى جسر يربط بين الماضي المجيد ومستقبل مسرح العرائس الواعد.
أبرز التوصيات الصادرة عن المهرجان
لم يقتصر الحفل الختامي للمهرجان على التكريم والاحتفال، بل كان لحظة محورية لوضع خارطة طريق مستقبلية. بعد جلسات عمل مكثفة وورش عمل وتقييمات خلال أيام المهرجان، اختتمت الدورة بمجموعة من التوصيات الهامة المصممة لبث روح جديدة في مشهد مسرح العرائس. وشملت هذه التوصيات، التي تم الكشف عنها خلال الحدث الختامي، النقاط الأساسية التالية:
- تأسيس لجنة دائمة لمسرح العرائس: كانت إحدى التوصيات الرئيسية هي تشكيل لجنة متخصصة ودائمة، تُعهد إليها مهمة الإشراف على تطوير مسرح العرائس ودعمه والتخطيط الاستراتيجي له في مصر. ستكون هذه اللجنة مسؤولة عن المتابعة المستمرة والتنسيق بين مختلف الكيانات الفنية وضمان التنفيذ المستدام لخطط التنمية.
- دعم الكتاب المسرحيين وتطوير النصوص: إدراكًا لندرة النصوص المعاصرة المخصصة لمسرح العرائس، أوصى المهرجان بقوة ببدء برامج لدعم الكتاب المسرحيين. ويشمل ذلك ورش عمل ومسابقات وحوافز مالية لتشجيع إبداع قصص أصلية وجذابة ومناسبة لعروض العرائس، تلبي أذواق الفئات العمرية المختلفة.
- الدمج في المناهج الأكاديمية: لضمان تدفق مستمر للمهنيين المدربين، كانت إحدى التوصيات الرئيسية هي دمج دراسات مسرح العرائس في مناهج أكاديميات الفنون والجامعات. سيشمل ذلك ليس فقط الأداء ولكن أيضًا صناعة العرائس، وتصميم الديكور، والإخراج، والجوانب الفنية، مما يغذي جيلًا جديدًا من فنانين عرائس متعدد التخصصات.
- الدعم المالي واللوجستي للإنتاجات: غالبًا ما تواجه إنتاجات مسرح العرائس الجديدة عقبات مالية ولوجستية كبيرة. دعا المهرجان إلى زيادة التمويل، وفرص الرعاية، وتوفير أماكن مناسبة ومعدات فنية لتسهيل إنتاج وعرض عروض عرائس عالية الجودة.
- تنظيم ورش عمل متخصصة: علاوة على الدمج الأكاديمي، أكدت التوصيات على الحاجة إلى تدريب عملي مستمر. يشمل ذلك تنظيم ورش عمل منتظمة لصناع العرائس، وفنانين الأداء، والمخرجين، والفنيين، مع التركيز على التقنيات الحديثة، وابتكار المواد، ورواية القصص التفاعلية.
- توسيع نطاق المهرجان: لرفع مكانته وتعزيز التبادل الثقافي، أوصي بأن تنظر الدورات المستقبلية لمهرجان القاهرة لمسرح العرائس في إشراك مشاركات عربية ودولية. سيعرض ذلك الفنانين المحليين على الاتجاهات والممارسات العالمية بينما يعرض المواهب المصرية على نطاق أوسع.
- التوثيق والأرشفة: تم تسليط الضوء على حفظ تراث مسرح العرائس المصري باعتباره أمرًا بالغ الأهمية. أوصى المهرجان بإنشاء أرشيف شامل للعروض التاريخية، والنصوص، وتصميمات العرائس، وسير الفنانين، مما يضمن إتاحة هذا التراث الغني للبحث والتعليم وللأجيال القادمة.
- الترويج لمسرح العرائس في المدارس والمراكز الثقافية: لإعادة بناء مشاركة الجمهور، وخاصة بين الأطفال، شملت التوصيات مبادرات للترويج لمسرح العرائس في المدارس، ومراكز الشباب، والمراكز الثقافية المحلية. قد يتضمن ذلك عروضًا جوالة، وجلسات تفاعلية، وبرامج تعليمية تقدم هذا الفن لجمهور جديد.
التأثير والتطلعات المستقبلية
تمثل هذه التوصيات جهدًا حاسمًا لإعادة وضع مسرح العرائس كشكل فني حيوي ومهم في مصر. وإذا تم تنفيذها بنجاح، فمن المتوقع أن تسفر عن تأثير متعدد الأوجه: تعزيز موجة جديدة من الإبداع، وتأهيل المجال مهنيًا، وتوسيع قاعدة الجمهور، وصون جزء حيوي من الهوية الثقافية المصرية. ومن المتوقع أن تلعب أكاديمية الفنون، بصفتها المؤسسة المضيفة، دورًا رائدًا في دعم هذه المبادرات، مستفيدة من مواردها الأكاديمية والفنية. وهكذا، فقد أرست الدورة الأولى من مهرجان القاهرة لمسرح العرائس سابقة، ليس فقط كحدث، بل كمحفز لمستقبل واعد لمسرح العرائس، يطمح إلى استعادة مكانته اللائقة في قلوب وعقول الجمهور المصري. ستتطلب الرحلة المقبلة التزامًا مستمرًا من المؤسسات الثقافية والفنانين وصناع السياسات، لكن الأساس الذي وضعته هذه التوصيات يقدم مسارًا واضحًا ومتفائلًا للمضي قدمًا.





