اعتقال ضابط كبير متهم بارتكاب انتهاكات جسيمة في سجن صيدنايا السوري
أعلنت السلطات السورية المؤقتة، في تطور قضائي بارز، عن إلقاء القبض على ضابط كبير في الجيش يُعتقد أنه لعب دوراً محورياً في الانتهاكات الممنهجة التي وقعت في سجن صيدنايا العسكري خلال فترة حكم النظام السابق. ويمثل هذا الإجراء خطوة أولى ملموسة على مسار المحاسبة والعدالة الانتقالية في سوريا بعد عقود من الإفلات من العقاب.

خلفية عن سجن صيدنايا سيئ السمعة
يُعرف سجن صيدنايا، الذي يقع شمال دمشق، بأنه أحد أسوأ مراكز الاحتجاز سمعة في العالم. وقد وصفته منظمات حقوقية دولية، مثل منظمة العفو الدولية، بأنه "مسلخ بشري" حيث تم إعدام آلاف المعتقلين خارج نطاق القضاء بعد محاكمات ميدانية صورية لم تدم سوى دقائق. كان السجناء، ومعظمهم من المعارضين السياسيين والنشطاء المدنيين، يتعرضون بشكل روتيني للتعذيب الممنهج والتجويع والإهمال الطبي المتعمد، مما أدى إلى وفاة أعداد لا حصر لها منهم في ظروف مروعة.
اشتهر السجن بممارسات وحشية، من بينها ما يُعرف بـ "غرف الملح"، وهو مصطلح استخدمه الناجون لوصف أماكن كانت تُستخدم لحفظ جثث الضحايا قبل نقلها إلى مقابر جماعية. كانت هذه الممارسات جزءاً من سياسة إبادة ممنهجة تهدف إلى سحق أي شكل من أشكال المعارضة للنظام السابق.
تفاصيل الاعتقال ودور الضابط المتهم
وفقاً للبيانات الأولية الصادرة مؤخراً، فإن الضابط المحتجز هو اللواء طلال مخلوف، الذي شغل مناصب قيادية حساسة يُعتقد أنها ربطته مباشرة بعمليات الإعدام الجماعي في صيدنايا. تشير التحقيقات الأولية إلى أن توقيعه كان ضرورياً للمصادقة على قوائم الإعدام التي كانت تُنفذ أسبوعياً داخل السجن. تم القبض عليه في مكان إقامته بدمشق بناءً على مذكرات توقيف صدرت استناداً إلى شهادات ناجين ووثائق تم الحصول عليها بعد التغيير السياسي الأخير في البلاد.
تُنسب إليه تهم متعددة تشمل:
- الإشراف المباشر على عمليات تعذيب أدت إلى الموت.
 - المصادقة على أحكام إعدام جماعية صادرة عن المحاكم الميدانية العسكرية.
 - المشاركة في جرائم ضد الإنسانية من خلال سياسة الإخفاء القسري والتصفية الجسدية.
 
أهمية الاعتقال في سياق العدالة الانتقالية
يكتسب هذا الاعتقال أهمية رمزية وقانونية كبيرة، حيث يعتبره مراقبون وناشطون حقوقيون اختباراً حقيقياً لجدية السلطات الجديدة في تفكيك إرث القمع وبناء دولة القانون. لطالما طالب السوريون، وخاصة عائلات الضحايا والمختفين قسرياً، بالعدالة وكشف مصير أبنائهم. ويُنظر إلى محاكمة مسؤولين كبار مثل هذا الضابط على أنها بداية لتحقيق هذا المطلب الطويل الأمد.
كما أن هذه الخطوة قد تشجع المزيد من الشهود على التقدم للإدلاء بشهاداتهم، وتساهم في الكشف عن شبكة المسؤولين الكاملة عن الجرائم التي ارتُكبت ليس فقط في صيدنايا، بل في كافة أفرع الأمن ومراكز الاعتقال في سوريا. ويأمل الكثيرون أن تكون هذه المحاكمة بداية لسلسلة من الإجراءات القضائية التي تطال جميع المتورطين في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
ردود الفعل الأولية
على الصعيد المحلي، رحبت منظمات المجتمع المدني السورية ورابطات المعتقلين بالخبر، معربةً عن أملها في أن تكون العملية القضائية شفافة وعادلة وتستوفي المعايير الدولية. وأكدت هذه المنظمات على ضرورة حماية الشهود وضمان عدم تعرضهم لأي ضغوط. أما على المستوى الشعبي، فقد أثار النبأ ارتياحاً واسعاً بين السوريين الذين عانوا من بطش الأجهزة الأمنية، معتبرين إياه نصراً للعدالة وبصيص أمل في مستقبل أفضل. دولياً، لم تصدر بعد ردود فعل رسمية، لكن من المتوقع أن تراقب الحكومات والمنظمات الحقوقية الدولية مسار التحقيقات والمحاكمة عن كثب لتقييم مدى التزام سوريا الجديدة بمبادئ حقوق الإنسان والعدالة.





