الاتحاد الأوروبي يهدد بتفكيك جوجل وسط اتهامات بالهيمنة على سوق الإعلانات الرقمية
تترقب الأوساط الاقتصادية والتقنية موعداً حاسماً تواجهه شركة جوجل مطلع شهر نوفمبر الجاري، حيث يتعين عليها تقديم خطة مفصلة للمفوضية الأوروبية توضح فيها كيفية امتثالها لقرار صادر في سبتمبر الماضي. يتهم هذا القرار عملاق التكنولوجيا بالهيمنة بشكل غير قانوني على البنية التحتية لإدارة الإعلانات عبر الإنترنت، وهي ممارسة قد تدفع بروكسل إلى اتخاذ إجراءات صارمة تصل إلى حد تفكيك أجزاء من أعمال الشركة لضمان المنافسة العادلة في السوق الرقمية.

خلفية الأزمة: هيمنة جوجل على الإعلانات الرقمية
تُعد قضية هيمنة جوجل على سوق الإعلانات الرقمية محط أنظار المنظمين منذ سنوات طويلة. تمتلك جوجل مجموعة واسعة من الأدوات والمنصات التي تغطي كل جوانب دورة الإعلانات الرقمية، بدءاً من أدوات الناشرين مثل AdSense وAd Manager، وصولاً إلى أدوات المعلنين مثل Google Ads ومنصات التبادل الإعلاني مثل DoubleClick Ad Exchange. هذا التكامل الشامل يمنح جوجل موقعاً فريداً، حيث تعمل كبائع ومشترٍ ووسيط في آن واحد، مما يثير مخاوف جدية بشأن تضارب المصالح وإمكانية تفضيل خدماتها الخاصة على حساب المنافسين.
هذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها جوجل نفسها في مواجهة مع سلطات مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي. فقد سبق للمفوضية الأوروبية أن فرضت غرامات بمليارات اليورو على الشركة في قضايا سابقة تتعلق بسلوكيات مناهضة للمنافسة في مجالات مثل نظام التشغيل أندرويد، وخدمة التسوق عبر الإنترنت، والإعلانات في محرك البحث، مما يؤكد على تاريخ طويل من التدقيق التنظيمي المكثف لسلوكيات الشركة في السوق الأوروبية.
قرار المفوضية الأوروبية وتفاصيل الاتهامات
في قرارها الذي صدر في سبتمبر الماضي، خلصت المفوضية الأوروبية إلى أن جوجل قد أساءت استخدام وضعها المهيمن في سوق تكنولوجيا الإعلانات (AdTech). وشملت الاتهامات الرئيسية أن جوجل قامت بـ "تفضيل ذاتي" لخدماتها الإعلانية الخاصة، مما أضر بالناشرين والمعلنين والمنافسين الأصغر. وتشير المفوضية إلى أن جوجل تستخدم موقعها المركزي لجمع بيانات قيمة من جهة، وتدير منصات بيع وشراء الإعلانات من جهة أخرى، مما يمنحها ميزة غير عادلة ويخنق الابتكار والمنافسة.
من أبرز الحلول التي لوحت بها المفوضية الأوروبية كخيار أخير في حال عدم امتثال جوجل، هو تفكيك جزء من أعمالها في مجال تكنولوجيا الإعلانات. هذا يعني إجبار جوجل على بيع أجزاء من هذا النشاط التجاري، مثل منصتها لبيع الإعلانات أو منصتها لخدمة الناشرين، لجهات مستقلة. يُنظر إلى خيار التفكيك هذا على أنه إجراء جذري وغير مسبوق في تاريخ الاتحاد الأوروبي ضد شركة تكنولوجية بهذا الحجم، مما يعكس مدى جدية الاتهامات وحجم التهديد الذي تراه المفوضية على المنافسة العادلة.
- تضارب المصالح: اتهامات بأن جوجل تعمل في أدوار متعددة (بائع، مشترٍ، وسيط) في سوق الإعلانات، مما يؤدي إلى تضارب مصالح.
- التفضيل الذاتي: استخدام بياناتها وموقعها المتميز لتفضيل منتجاتها وخدماتها الإعلانية الخاصة على حساب المنافسين.
- عرقلة المنافسة: ممارسات تحد من قدرة الشركات الأصغر على المنافسة في سوق تكنولوجيا الإعلانات الذي تتسيده جوجل.
المهلة الحاسمة وموقف جوجل
تحدد المهلة النهائية لتقديم خطة الامتثال في مطلع شهر نوفمبر الجاري لحظة محورية. يتوجب على جوجل أن تعرض مقترحات ملموسة وفعالة لمعالجة المخاوف التي أبدتها المفوضية الأوروبية. يجب أن تُظهر هذه الخطة التزاماً حقيقياً بتغيير ممارساتها التجارية لضمان المنافسة العادلة والشفافية في سوق الإعلانات الرقمية.
من جانبها، تصر جوجل على أن خدماتها تساهم في خفض التكاليف للمعلنين وتوسيع نطاق الوصول للناشرين، وأنها تعمل ضمن إطار قانوني. وعلى الرغم من رفضها الضمني لاتهامات الهيمنة غير القانونية، إلا أنها أعربت عن استعدادها للتعاون مع المفوضية الأوروبية واستكشاف سبل للتكيف مع المتطلبات التنظيمية. ومع ذلك، لا تزال الشركة ترفض فكرة التفكيك القسري لأعمالها، معتبرة أن ذلك سيضر بقدرتها على تقديم خدمات متكاملة وفعالة.
التداعيات المحتملة والآثار المستقبلية
إن تداعيات قرار المفوضية الأوروبية، أياً كان شكلها النهائي، ستكون بعيدة المدى. ففي حال إجبار جوجل على تفكيك أجزاء من أعمالها الإعلانية، سيؤثر ذلك بشكل كبير على نموذج عملها الذي يعتمد بشكل كبير على إيرادات الإعلانات. كما سيعيد تشكيل المشهد التنافسي لسوق الإعلانات الرقمية بالكامل، مما قد يفتح الباب أمام لاعبين جدد ويعزز من فرص المنافسين الحاليين.
بالنسبة للمعلنين والناشرين، يمكن أن يؤدي هذا إلى سوق إعلانات أكثر شفافية وعدالة، مع خيارات أوسع وتكاليف ربما أقل. أما على الصعيد العالمي، فإن هذا التحرك من جانب الاتحاد الأوروبي يؤكد على مكانته كمنظم رائد للقطاع الرقمي، ويشكل سابقة قد تحفز دولاً وهيئات تنظيمية أخرى حول العالم على اتخاذ إجراءات مماثلة ضد عمالقة التكنولوجيا. القضية تسلط الضوء على التوتر المستمر بين الابتكار التكنولوجي والضرورة التنظيمية لضمان المنافسة وحماية المستهلكين.





