شهدت محافظة الجيزة مؤخرًا، وتحديدًا في المنطقة المحيطة بـالمتحف المصري الكبير، جهودًا مكثفة وغير مسبوقة لتحويل هذه المنطقة الحيوية إلى واجهة حضارية متكاملة تعكس عظمة التاريخ المصري وعمق ثقافته. تهدف أعمال التطوير الشاملة هذه إلى إضفاء طابع جمالي وفني مميز على محيط المتحف، الذي يُعد من أضخم الصروح الأثرية في العالم، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من التجربة الثقافية للسياح والزوار.

تضمنت المبادرة الكبرى تطويرًا جذريًا للمحاور والطرق الرئيسية المؤدية إلى المتحف، بالإضافة إلى أعمال تشجير واسعة النطاق وتجميل للمنطقة بالإنارات الحديثة والمبتكرة. ليس هذا فحسب، بل يمتد المشروع ليحوّل هذه الطرق والمساحات المحيطة إلى ما يشبه معرضًا مفتوحًا يضم رموزًا وشخصيات بارزة في مجالات الدين والعلم والثقافة والفن، وذلك في خطوة تهدف إلى إبراز الإرث الحضاري المتنوع لمصر. وقد أكد محافظ الجيزة أن المحافظة تظهر الآن في أبهى صورها بفضل هذه الجهود، التي بدأت تظهر ثمارها بوضوح في المشهد العام للمنطقة.
رؤية المشروع وأهدافه
تستند أعمال التطوير الجارية في محيط المتحف المصري الكبير إلى رؤية استراتيجية واضحة تهدف إلى تعزيز مكانة الجيزة كوجهة سياحية وثقافية عالمية. فالمتحف ليس مجرد مبنى لعرض القطع الأثرية، بل هو أيقونة معمارية وثقافية تستقطب ملايين الزوار سنويًا. لذا، كان لابد من أن تتناسب البيئة المحيطة به مع قيمته الأثرية والتاريخية. يسعى المشروع إلى خلق تجربة متكاملة للزائر تبدأ من لحظة وصوله إلى المنطقة، مرورًا بالطرق المزينة وصولًا إلى أبواب المتحف.
تتمثل الأهداف الرئيسية للمشروع في:
- تعزيز الجاذبية البصرية: تحسين المظهر العام للمنطقة المحيطة بالمتحف لتتناغم مع تصميمه المعماري الفريد.
 - تحسين البنية التحتية: تطوير شبكة الطرق والمحاور لتسهيل حركة المرور والوصول للمتحف، مع توفير كافة الخدمات اللوجستية.
 - إثراء التجربة الثقافية: تحويل المساحات الخارجية إلى فضاءات تعليمية وترفيهية من خلال عرض رموز وإبداعات فنية.
 - دعم السياحة المستدامة: جذب المزيد من السياح وتعزيز إقامتهم في المنطقة من خلال توفير بيئة جاذبة ومريحة.
 - التأكيد على الهوية المصرية: إبراز التنوع الثقافي والحضاري لمصر من خلال الأعمال الفنية المعروضة في الهواء الطلق.
 
تفاصيل أعمال التطوير
شملت أعمال التطوير عدة محاور رئيسية، تم تنفيذها بدقة واهتمام بالغ بالتفاصيل لضمان تحقيق أعلى مستويات الجودة والجمال. أولًا، جرى تطوير المحاور والطرق المؤدية للمتحف، والتي تعد شرايين رئيسية لحركة الزوار والمرور. تضمن هذا التطوير توسعة بعض الطرق، وإعادة رصفها باستخدام أحدث التقنيات لضمان سلاسة الحركة، فضلًا عن تحسين الإشارات المرورية واللافتات الإرشادية التي تسهل الوصول إلى المتحف ومعالمه المختلفة.
ثانيًا، كان لـالتشجير والتجميل بالإنارات دور محوري في إضفاء طابع فريد على المنطقة. فقد تم زراعة مساحات خضراء واسعة تضم مجموعة متنوعة من النباتات والأشجار، مما يساهم في تنقية الهواء وتلطيف الأجواء، ويخلق في الوقت نفسه مناظر طبيعية خلابة. أما الإنارات الحديثة، فقد صُممت بعناية لتبرز جمال المنطقة ليلاً، حيث تتلألأ الشوارع والمباني المحيطة بأضواء فنية تسلط الضوء على المعالم الأثرية والجمالية، وتوفر إضاءة كافية لسلامة وأمن الزوار.
أما الجانب الأكثر تميزًا في هذا المشروع فهو تحويل الطرق إلى معرض مفتوح لرموز الدين والعلم والثقافة والفن. لقد تم اختيار مجموعة من الشخصيات والرموز التي مثلت فصولًا مضيئة في تاريخ مصر وحضارتها، بدءًا من رموز الحضارة الفرعونية القديمة، مرورًا بشخصيات مؤثرة في العصور القبطية والإسلامية، وصولًا إلى رواد العلم والفكر والفن في العصر الحديث. وقد تجسدت هذه الرموز في أعمال فنية متنوعة مثل التماثيل والنحت الجداري واللوحات الإيضاحية التي تُعرض على طول الطرق، لتُشكل مسارًا ثقافيًا تعليميًا في الهواء الطلق، يحكي قصة مصر عبر العصور ويُلهم الزوار بتراثها العظيم.
الأهمية والتأثير
تمثل هذه الأعمال التطويرية نقلة نوعية في المشهد الحضري لمحافظة الجيزة، وتحديدًا في المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير. إنها تؤكد على التزام الدولة المصرية بتعزيز بنيتها التحتية السياحية والثقافية، وتقديم تجربة عالمية المستوى لزوارها. من المتوقع أن يكون لهذه التحسينات تأثير إيجابي كبير على تدفق السياح، حيث ستوفر بيئة أكثر جاذبية وراحة، مما يشجع على قضاء وقت أطول واستكشاف أعمق للمنطقة.
يساهم المشروع أيضًا في دعم الاقتصاد المحلي من خلال جذب الاستثمارات وزيادة فرص العمل في قطاعات السياحة والخدمات. كما يعزز من الفخر الوطني لدى المصريين، ويعكس صورة مشرقة لمصر كدولة تولي اهتمامًا كبيرًا لتراثها وتاريخها، وتسعى جاهدة للحفاظ عليه وتقديمه للعالم بأبهى صورة. تصريحات محافظ الجيزة الأخيرة بأن المحافظة باتت “في أبهى صورة” لا تعبر عن رؤية طموحة فحسب، بل هي شهادة على الجهود المبذولة والنتائج الملموسة التي بدأت تظهر على أرض الواقع، مبشرة بمستقبل واعد للمنطقة كمركز إشعاع ثقافي عالمي.



