الحكومة الأمريكية تتبنى تقنيات التعرف على الوجوه في التحقق من الهويات
في السنوات الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة توسعًا ملحوظًا في استخدام وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية لتقنيات التعرف على الوجوه كأداة للتحقق من الهوية وتحديد المشتبه بهم. يثير هذا التبني المتزايد جدلاً واسعًا حول التوازن بين الأمن القومي وحماية الحريات المدنية وخصوصية المواطنين. وقد برزت هذه القضية إلى الواجهة مع الكشف عن استخدام وكالات مثل وكالة الهجرة والجمارك (ICE) وهيئة الجمارك وحماية الحدود (CBP) لهذه التقنيات في مجموعة متنوعة من السيناريوهات، بما في ذلك التحقق من هوية الأشخاص في نقاط التفتيش أو أثناء عمليات إنفاذ القانون الداخلية.

خلفية التطور والاستخدام
بدأ استخدام تقنيات التعرف على الوجوه من قبل الحكومة الأمريكية قبل سنوات، وخصوصاً في سياقات الأمن القومي ومكافحة الإرهاب. في البداية، ركزت هذه التقنيات على مطابقة صور جوازات السفر أو رخص القيادة مع صور الأشخاص عند نقاط الدخول والخروج من البلاد، مثل المطارات والمعابر الحدودية. وكانت وزارة الأمن الداخلي (DHS) من أوائل من طبقوا هذه الأنظمة، مبررة ذلك بزيادة الكفاءة الأمنية وتسريع إجراءات المسافرين. مع تطور الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، أصبحت أنظمة التعرف على الوجوه أكثر دقة وسرعة، مما فتح الباب أمام تطبيقات أوسع تتجاوز السياقات الحدودية.
توسع النطاق والتطبيقات الحديثة
تشير التقارير الحديثة والوثائق المسربة إلى أن استخدام هذه التقنيات لم يعد مقتصرًا على الحدود، بل امتد ليشمل عمليات إنفاذ القانون الداخلية. فقد كشفت وكالة الهجرة والجمارك (ICE) وهيئة الجمارك وحماية الحدود (CBP) عن استخدامهما لأجهزة محمولة مزودة بتقنية التعرف على الوجوه، والتي تمكن العملاء من مسح وجوه الأفراد ومقارنتها بقواعد بيانات ضخمة تحتوي على ملايين الصور، بما في ذلك صور من رخص القيادة وسجلات الشرطة وقواعد بيانات الوكالات الأخرى. وقد شوهد عملاء يستخدمون هذه التقنيات في التحقق من هوية الأشخاص الذين يتم إيقافهم أو احتجازهم، مما أثار تساؤلات جدية حول مدى قانونية هذه الممارسات ومدى اتساع نطاق المراقبة البيومترية.
يتم تبرير هذا التوسع بالضرورة الأمنية وتسريع عمليات التحقق، خاصة في الحالات التي لا يحمل فيها الأفراد وثائق هوية أو يُشتبه في تقديمهم معلومات خاطئة. وتُبرم العديد من العقود بين الوكالات الحكومية وشركات التكنولوجيا الخاصة لتطوير وتوفير هذه الأنظمة، مما يخلق شبكة معقدة من الشركاء في مجال المراقبة البيومترية.
مخاوف جوهرية وانتقادات
على الرغم من المزايا الأمنية المزعومة، أثارت الزيادة في استخدام التعرف على الوجوه من قبل الحكومة الأمريكية موجة من المخاوف والانتقادات من قبل منظمات الحريات المدنية، والخبراء القانونيين، وحتى بعض المشرعين. وتتركز هذه المخاوف حول عدة نقاط رئيسية:
- الخصوصية: يرى المعارضون أن التعرف على الوجوه يمثل انتهاكًا صارخًا للحق في الخصوصية، حيث يمكن أن يؤدي إلى مراقبة جماعية للأشخاص في الأماكن العامة دون موافقتهم أو علمهم، مما يقوض مبدأ عدم الكشف عن الهوية في الأماكن العامة.
 - الدقة والتحيز: تشير العديد من الدراسات إلى أن تقنيات التعرف على الوجوه ليست دقيقة دائمًا، وقد تكون متحيزة ضد مجموعات ديموغرافية معينة، مثل النساء والأشخاص ذوي البشرة الداكنة. هذا التحيز يمكن أن يؤدي إلى تحديد خاطئ للأشخاص الأبرياء، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة.
 - الحريات المدنية: يثير استخدام هذه التقنيات مخاوف بشأن انتهاك التعديل الرابع للدستور الأمريكي، الذي يحمي من التفتيش والمصادرة غير المعقولين. كما يمكن أن يؤثر على حرية التعبير والتجمع، حيث قد يمتنع الأفراد عن المشاركة في الاحتجاجات أو الأنشطة السياسية خوفاً من التعقب.
 - الشفافية والرقابة: يفتقر الإطار القانوني والتنظيمي على المستوى الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى الوضوح والشمولية فيما يتعلق باستخدام تقنيات التعرف على الوجوه. وهذا النقص في الشفافية والرقابة يجعل من الصعب محاسبة الوكالات الحكومية على ممارساتها أو فهم كيفية استخدام البيانات البيومترية وتخزينها.
 - انتشار قواعد البيانات: يثير ربط قواعد البيانات المختلفة (مثل صور رخص القيادة وسجلات الشرطة وقواعد بيانات الهجرة) قلقًا بشأن إنشاء قاعدة بيانات بيومترية شاملة للمواطنين وغير المواطنين، يمكن الوصول إليها واستخدامها بشكل واسع دون ضوابط كافية.
 
الجدل القانوني والأخلاقي
يشكل استخدام التعرف على الوجوه نقطة محورية في النقاش الأوسع حول الموازنة بين الأمن والخصوصية في العصر الرقمي. بينما تدافع الوكالات الحكومية عن ضرورة هذه التقنيات لتعزيز الأمن القومي ومكافحة الجريمة، يطالب نشطاء الحريات المدنية بتشريع فدرالي صارم يقيد أو يحظر استخدامها في سياقات معينة، أو على الأقل يفرض شروطًا واضحة للشفافية والمساءلة. وقد شهدت بعض الولايات والمدن الأمريكية مبادرات لحظر أو تقييد استخدام التعرف على الوجوه من قبل وكالات إنفاذ القانون المحلية، مما يعكس تزايد القلق العام.
تستمر المحاكم في التعامل مع التحديات القانونية المتعلقة بالتعرف على الوجوه، حيث تسعى مجموعات الدفاع عن الحقوق إلى استكشاف سبل للمطالبة بالتعويض أو إيقاف الممارسات التي تعتبرها غير دستورية. يبقى السؤال الرئيسي هو كيفية وضع إطار قانوني وأخلاقي يضمن حماية حقوق الأفراد مع السماح للحكومة باستخدام الأدوات التكنولوجية الضرورية لتحقيق أهدافها المشروعة في حفظ الأمن.
التطلعات المستقبلية
يبدو أن استخدام تقنيات التعرف على الوجوه سيستمر في التوسع، ولكن مع تزايد التدقيق العام والتشريعي. من المرجح أن نشهد المزيد من النقاشات في الكونغرس حول الحاجة إلى تشريعات شاملة تحدد بوضوح متى وكيف يمكن للحكومة استخدام هذه التقنيات. كما ستلعب التطورات التكنولوجية المستمرة دورًا في هذا النقاش، حيث قد تظهر حلول جديدة لمعالجة المخاوف المتعلقة بالدقة والتحيز، أو قد تزيد من قدرات المراقبة إلى مستويات غير مسبوقة. يظل تحديد مستقبل هذه التقنيات في الولايات المتحدة رهيناً بالقدرة على إيجاد توازن فعال بين الابتكار التكنولوجي وحماية الحقوق الأساسية.




