أسعار الذهب تتراجع بفعل قوة الدولار وتوقعات الفائدة
شهدت أسعار الذهب انخفاضًا ملحوظًا خلال تداولات يوم الثلاثاء، متأثرة بمجموعة من العوامل الاقتصادية التي قلصت من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن. ويأتي هذا التراجع في ظل وصول الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوياته في عدة أشهر، بالإضافة إلى تغير توقعات المستثمرين بشأن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

الدولار القوي يلقي بظلاله على المعدن النفيس
كان العامل الأبرز وراء هبوط أسعار الذهب هو الارتفاع الكبير في قيمة الدولار الأمريكي. وصل مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية، إلى أعلى مستوى له في أكثر من ثلاثة أشهر. وتوجد علاقة عكسية تاريخية بين الدولار والذهب، حيث إن ارتفاع قيمة الدولار يجعل الذهب المقوم به أكثر تكلفة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يؤدي إلى تراجع الطلب عليه وبالتالي انخفاض سعره.
يستمد الدولار قوته الحالية من البيانات الاقتصادية الإيجابية الصادرة من الولايات المتحدة، والتي تعزز الثقة في متانة الاقتصاد الأمريكي مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى، مما يدفع المستثمرين إلى تحويل أموالهم إلى الأصول المقومة بالدولار.
توقعات أسعار الفائدة وتأثيرها المباشر
على صعيد آخر، تأثرت أسعار الذهب بتراجع التوقعات بشأن قيام الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بإجراء خفض إضافي لأسعار الفائدة في شهر ديسمبر. يعتبر الذهب من الأصول التي لا تدر عائدًا، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار الفائدة أو حتى استقرارها عند مستويات مرتفعة يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن النفيس مقارنة بالاستثمار في أصول تدر فائدة مثل السندات الحكومية.
أدت التصريحات الأخيرة من مسؤولي الفيدرالي والبيانات الاقتصادية القوية إلى تقليص احتمالات اللجوء إلى مزيد من التيسير النقدي، وهو ما كان أحد الدوافع الرئيسية وراء ارتفاع الذهب في وقت سابق من العام. ومع انحسار هذه التوقعات، فقد الذهب جزءًا من زخمه الصعودي.
انحسار التوترات التجارية يقلل من جاذبية الملاذات الآمنة
لعبت التطورات الإيجابية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين دورًا مهمًا في الضغط على أسعار الذهب. حيث أدت الأنباء عن قرب التوصل إلى اتفاق جزئي أو مرحلي إلى تهدئة مخاوف المستثمرين من حرب تجارية شاملة قد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي. وفي مثل هذه الأجواء، يميل المستثمرون إلى زيادة شهيتهم للمخاطرة والإقبال على الأصول ذات العوائد المرتفعة مثل الأسهم، والابتعاد عن أصول الملاذ الآمن التقليدية كالذهب.
وكانت التوترات التجارية قد دعمت أسعار الذهب بقوة خلال الأشهر الماضية، حيث اعتبره المستثمرون أداة تحوط فعالة ضد حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. ومع تراجع هذه المخاوف، انخفض الطلب على المعدن الأصفر لهذا الغرض.
العوامل الرئيسية التي يجب مراقبتها
يراقب المحللون والمستثمرون عن كثب عدة مؤشرات لتحديد الاتجاه المستقبلي لأسعار الذهب، وتشمل أبرز هذه العوامل:
- اتجاه مؤشر الدولار: سيظل أداء العملة الأمريكية محركًا أساسيًا لأسعار الذهب على المدى القصير والمتوسط.
 - بيانات التضخم الأمريكية: يمكن أن تؤثر أرقام التضخم على قرارات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، وبالتالي على جاذبية الذهب كأداة للتحوط من التضخم.
 - تصريحات مسؤولي البنوك المركزية: ستكون كلمات محافظي البنوك المركزية الكبرى، وخاصة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، محط أنظار الأسواق بحثًا عن أي إشارات حول السياسات النقدية المستقبلية.
 - التطورات الجيوسياسية: أي تجدد للتوترات التجارية أو ظهور مخاطر جيوسياسية جديدة قد يعيد الطلب على الذهب كملاذ آمن.
 
في الختام، يواجه الذهب ضغوطًا متعددة في البيئة الاقتصادية الحالية، حيث يجتمع صعود الدولار مع تلاشي آمال خفض الفائدة وتراجع المخاطر التجارية لتقويض بريقه كاستثمار آمن، مما يضع الأسعار تحت الاختبار في انتظار محفزات جديدة.





