السينما السعودية: القصص المحلية كقوة دافعة للمستقبل، رؤية فيصل بالطيور
في تصريحات حديثة بتاريخ 20 أكتوبر 2024، سلط المخرج والمنتج السعودي البارز، فيصل بالطيور، الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه القصص المحلية الأصيلة في تشكيل مستقبل قوي ومزدهر للصناعة السينمائية في المملكة العربية السعودية. تأتي هذه الرؤية في ظل تحولات ثقافية وفنية سريعة تشهدها المملكة، مدفوعة ببرنامج رؤية 2030 الطموح، الذي يهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز القطاعات غير النفطية، بما في ذلك الثقافة والترفيه. يؤكد بالطيور أن العمق الثقافي والتنوع الاجتماعي للمملكة يوفران مخزونًا لا ينضب من السرديات التي يمكن أن تميز السينما السعودية على الساحة العالمية.

الخلفية والتطورات الأخيرة في المشهد السينمائي السعودي
شهدت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نهضة سينمائية غير مسبوقة، بدأت برفع الحظر عن دور السينما في عام 2017 بعد عقود من الغياب. هذا القرار التاريخي فتح الأبواب أمام استثمارات ضخمة في البنية التحتية السينمائية، حيث تم افتتاح عشرات دور العرض الحديثة في جميع أنحاء البلاد. تزامن ذلك مع إطلاق هيئة الأفلام السعودية، التي تهدف إلى دعم وتطوير جميع جوانب الصناعة، من الإنتاج والتمويل إلى التدريب والتوزيع. لقد أسهمت هذه البيئة الجديدة في ظهور جيل من المخرجين والممثلين والكتاب السعوديين، الذين بدأوا في إنتاج أعمال تعكس الواقع السعودي المتغير وتطلعات الشباب.
يعتبر فيصل بالطيور أحد الشخصيات المؤثرة في هذا الحراك، حيث قدم أعمالاً أسهمت في ترسيخ التجربة السينمائية السعودية. تأتي تصريحاته لتؤكد على ضرورة الاستفادة من الهوية الثقافية الفريدة للمملكة كركيزة أساسية لبناء صناعة سينمائية مستدامة وقادرة على المنافسة عالميًا. فبدلاً من محاكاة النماذج الغربية أو الإقليمية، يدعو بالطيور إلى البحث عن الأصالة في الروايات المحلية التي تلامس قلوب الجماهير السعودية والعربية، ويمكنها في الوقت ذاته أن تجد صدى عالميًا بفضل طبيعتها الإنسانية المتجذرة.
أهمية القصص المحلية كعنصر قوة للصناعة السينمائية
يرى بالطيور أن القصص المحلية ليست مجرد وسيلة لعرض الثقافة السعودية، بل هي العنصر الجوهري الذي يمنح الأفلام السعودية هويتها وتميزها. ففي عالم سينمائي يتزايد فيه الطلب على المحتوى الأصيل والفريد، تقدم السرديات المستوحاة من التقاليد والعادات والتحديات والانتصارات السعودية مادة غنية وغير مستغلة بالكامل. تتميز هذه القصص بما يلي:
- الأصالة والواقعية: تعكس تفاصيل الحياة اليومية والتاريخ والتراث السعودي، مما يمنحها مصداقية وعمقًا يصعب تحقيقهما في القصص المستوردة.
- الهوية الثقافية: تساهم في بناء وتأكيد الهوية الثقافية السعودية على الشاشات الكبيرة، وتقدم للعالم صورة حقيقية ومتعددة الأبعاد عن المملكة وشعبها.
- الجاذبية العالمية: على الرغم من طابعها المحلي، فإن القصص الإنسانية التي تتناول موضوعات مثل الأسرة، الطموح، التحدي، والحب، تتمتع بجاذبية عالمية تتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية.
- التفرد التنافسي: تمنح السينما السعودية ميزة تنافسية في سوق عالمي يتسم بالتشبع، حيث تقدم منظورًا جديدًا ورؤى غير مألوفة للجمهور الدولي.
إن الاستثمار في كتابة وتطوير القصص المحلية يضمن أن الأفلام السعودية لا تكون مجرد ترفيه، بل تكون مرآة تعكس المجتمع وتساهم في حواره وتقدمه.
التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من التفاؤل، تواجه الصناعة السينمائية السعودية الناشئة عددًا من التحديات، بما في ذلك الحاجة إلى:
- تطوير المواهب: يتطلب الأمر استثمارًا مستمرًا في تدريب الكتاب، المخرجين، المنتجين، والفنيين لضمان جودة الإنتاج.
- البنية التحتية: على الرغم من التقدم، لا تزال هناك حاجة لتطوير استوديوهات متقدمة ومرافق ما بعد الإنتاج.
- التمويل المستدام: ضرورة بناء نماذج تمويلية مستقرة ومتنوعة تدعم الإنتاج المستمر للأفلام.
- التوزيع والتسويق: تعزيز قنوات التوزيع المحلية والدولية لضمان وصول الأفلام السعودية إلى أوسع جمهور ممكن.
ومع ذلك، فإن الفرص المتاحة هائلة. يمكن للسينما السعودية أن تصبح محركًا اقتصاديًا مهمًا، يخلق آلاف فرص العمل ويجذب الاستثمارات. كما أنها تعد أداة قوية للدبلوماسية الثقافية، تسهم في تعزيز التفاهم بين الشعوب وتقديم صورة إيجابية عن المملكة.
الرؤية والتأثير المتوقع
إن رؤية فيصل بالطيور للسينما السعودية المتجذرة في قصصها المحلية تتسق تمامًا مع أهداف رؤية 2030 لبناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. من المتوقع أن يؤدي التركيز على الأصالة إلى إنتاج أعمال فنية عالية الجودة، قادرة على الفوز بالجوائز في المهرجانات الدولية واكتساب جمهور واسع حول العالم. هذا التوجه لا يعزز فقط الصناعة السينمائية نفسها، بل يسهم أيضًا في إثراء المشهد الثقافي السعودي، وتمكين الأصوات المحلية، وتعزيز الإبداع، مما يجعل المملكة مركزًا إقليميًا ودوليًا للإبداع السينمائي.
في الختام، فإن دعوة فيصل بالطيور للالتفات إلى كنوز القصص المحلية تمثل دعوة استراتيجية لبناء صناعة سينمائية سعودية ذات هوية فريدة ومكانة عالمية، قادرة على سرد حكاياتها الخاصة وتجاربها الغنية للعالم بأسره.





