الصحافة والطب في السودان: مهنٌ خطيرة بين توثيق المأساة ومعاناة العاملين
منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في أبريل 2023، والذي بدأ بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تحول المشهد الاجتماعي والمهني في البلاد إلى ساحة للصراع والمعاناة. في خضم هذه الأزمة، برزت مهنتا الصحافة والطب كواحدة من أكثر المجالات خطورة وصعوبة، حيث يجد العاملون فيهما أنفسهم في خط المواجهة، ليس فقط كشهود على المأساة الإنسانية المتفاقمة، بل كضحايا مباشرين لها أيضاً. يتعرض الصحفيون والأطباء لمخاطر جمة تتراوح بين الاستهداف المباشر، والاعتقال التعسفي، ونقص الموارد الحاد، مما يهدد قدرتهم على أداء واجباتهم الحيوية.

خلفية النزاع وتأثيره
تسببت الاشتباكات العنيفة في السودان في تدهور كارثي للأوضاع الإنسانية، مع نزوح الملايين وتدمير البنية التحتية، وانهيار شبه كامل للخدمات الأساسية. وقد فرض هذا الوضع تحديات هائلة على جميع قطاعات المجتمع، إلا أن الصحفيين والمهنيين الطبيين يواجهون ظروفاً استثنائية تجعل عملهم محفوفاً بالمخاطر القاتلة. ففي بيئة يسودها العنف والفوضى، تُصبح مهام توثيق الحقائق وتقديم الرعاية الصحية أمراً بطولياً ولكنه خطير للغاية.
تحديات الصحافة في زمن الحرب
يلعب الصحفيون دوراً محورياً في إيصال صوت السودان إلى العالم وتوثيق الانتهاكات، ومكافحة المعلومات المضللة، لكنهم يدفعون ثمناً باهظاً لذلك. تُشير التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الصحفيين، مثل منظمة مراسلون بلا حدود، إلى أن العديد من الصحفيين تعرضوا للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، أو الاستهداف المباشر، أو الإصابة، أو حتى القتل أثناء تأدية واجبهم. وقد تضمنت التحديات الرئيسية التي يواجهونها:
- الاستهداف المباشر: يتعرض الصحفيون أحياناً لهجمات مباشرة من قبل الأطراف المتحاربة، سواء كان ذلك بسبب تغطيتهم الحساسة أو لكونهم يُعتبرون تهديداً لأجندة معينة.
- القيود على الوصول والرقابة: تفرض القوات المتحاربة قيوداً مشددة على حركة الصحفيين ووصولهم إلى مناطق النزاع، بالإضافة إلى ممارسات الرقابة والتضييق على حرية التعبير، مما يعيق نقل الصورة الكاملة للواقع.
- نقص الموارد والسلامة: يفتقر العديد من الصحفيين إلى المعدات الوقائية الأساسية والتدريب على كيفية العمل في مناطق الحرب، فضلاً عن نقص الدعم اللوجستي والمادي.
- النزوح والتهجير: أجبرت ظروف الحرب العديد من الصحفيين على مغادرة منازلهم ومدنهم، مما أثر على استقرارهم وقدرتهم على الاستمرار في عملهم.
قطاع الطب: على حافة الانهيار
يعمل الأطباء والممرضون والعاملون في المجال الصحي في ظروف لا يمكن تصورها، حيث تُعد المستشفيات والمرافق الطبية أهدافاً متكررة للهجمات، أو تتحول إلى ثكنات عسكرية. يُواجه هؤلاء المهنيون معركة مزدوجة: إنقاذ الأرواح في ظل نقص حاد في الإمدادات، وحماية حياتهم الخاصة. تؤكد منظمة الصحة العالمية والعديد من المنظمات الإنسانية أن القطاع الصحي في السودان على وشك الانهيار التام.
- استهداف المنشآت الطبية: تعرضت مئات المستشفيات والمراكز الصحية للقصف أو التدمير أو النهب، مما أدى إلى خروج الغالبية العظمى منها عن الخدمة في مناطق النزاع الرئيسية.
- نقص الكوادر والإمدادات: فرّ العديد من الأطباء والممرضين من البلاد بحثاً عن الأمان، أو نزحوا داخلياً، مما أسبب نقصاً حاداً في الكوادر الطبية. هذا بالإضافة إلى النقص المزمن في الأدوية الأساسية، والمعدات الطبية، والدم، ومستلزمات الجراحة، وحتى المياه النظيفة والكهرباء.
- الاستهداف المباشر للموظفين: تعرض الكادر الطبي للاعتداءات، والخطف، والاعتقالات التعسفية، وأحياناً القتل أثناء محاولتهم الوصول إلى المستشفيات أو تقديم العلاج.
- انتشار الأمراض: أدى تدهور الخدمات الصحية والنقص في المياه النظيفة والصرف الصحي إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا والحصبة، مما يزيد العبء على النظام الصحي المتهالك أصلاً.
الأهمية والتداعيات
إن استمرار استهداف وإعاقة عمل الصحفيين والأطباء في السودان له تداعيات وخيمة تتجاوز الأفراد المتأثرين. فدون الصحافة المستقلة، يتلاشى الأمل في المساءلة والشفافية، ويصعب على العالم فهم حقيقة ما يجري وتعبئة الدعم اللازم. ودون نظام صحي فاعل، تتفاقم الأزمة الإنسانية، وتتزايد أعداد الوفيات التي كان يمكن تجنبها، مما يهدد بانهيار اجتماعي أوسع. تُعد حماية هؤلاء المهنيين الأساسيين خطوة لا غنى عنها نحو تخفيف المعاناة الإنسانية في السودان، وضمان قدرة البلاد على التعافي مستقبلاً.




