الصنادل الذهبية في مصر القديمة: شهادة على براعة وتقدم الفراعنة
في تصريحات حديثة سلطت الضوء على جوانب فريدة من الحضارة المصرية القديمة، أكد خبراء في علم الآثار، ومن بينهم الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار، أن المصريين القدماء كانوا من أوائل الشعوب التي صنعت وارتدت أحذية متقنة، بما في ذلك صنادل وشباشب مصنوعة من الذهب الخالص. تأتي هذه التأكيدات لتعزز الصورة المعروفة عن مدى التقدم والثراء الذي وصلت إليه الحضارة الفرعونية، ليس فقط في العمارة والعلوم، بل في تفاصيل الحياة اليومية والطقوس الجنائزية للملوك والنخبة.

السياق والتصريحات
أشار الدكتور وزيري في مناسبات متعددة إلى أن الاكتشافات الأثرية، وخصوصًا تلك التي عُثر عليها في مقابر الملوك مثل مقبرة توت عنخ آمون، تقدم دليلاً ماديًا على استخدام الذهب في صناعة متعلقات شخصية دقيقة كالأحذية. وأوضح أن هذه القطع لم تكن للاستخدام اليومي، بل كانت جزءًا من الطقوس الدينية والجنائزية، حيث كان يُعتقد أن الذهب، بلونه الذي لا يصدأ ولمعانه الذي يشبه الشمس، هو "لحم الآلهة" ويضمن الخلود للمتوفى في العالم الآخر. وبذلك، سبقت براعة الحرفيين المصريين في تشكيل المعادن الثمينة العديد من الحضارات الأخرى بقرون طويلة.
أدلة أثرية بارزة
تعتبر كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تم اكتشافها عام 1922، المصدر الأبرز لهذه المعلومات. فقد كشفت المقبرة عن مجموعة مذهلة من القطع التي تعكس حياة الملك ومكانته، ومن بينها أدوات كانت مخصصة لرحلته الأبدية. من أبرز ما تم العثور عليه في هذا السياق:
- صنادل ذهبية: عُثر على صندل مصنوع بالكامل من الذهب الرقيق داخل لفائف مومياء الملك توت عنخ آمون. تم تصميم الصندل بدقة ليحاكي شكل الصنادل الجلدية التقليدية، مما يظهر مهارة فائقة في تطويع المعدن الثمين.
 - أغطية أصابع ذهبية: وُجدت عشرة أغطية ذهبية لأصابع القدمين وعشرة أخرى لأصابع اليدين، صُنعت كل منها على حدة لتناسب حجم كل إصبع، بهدف حماية أطراف الملك في العالم الآخر وضمان سلامة جسده.
 
هذه القطع لا تظهر الثراء الفاحش للأسرة الحاكمة فحسب، بل تكشف أيضًا عن عمق المعتقدات الدينية المرتبطة بالحياة بعد الموت، حيث كان تجهيز المتوفى بأثمن المواد يمثل جزءًا أساسيًا لضمان بعثه من جديد.
الأهمية التاريخية والحضارية
تكمن أهمية هذه الاكتشافات في أنها تقدم رؤية شاملة عن المجتمع المصري القديم. فصناعة مثل هذه القطع الذهبية المعقدة تتطلب معرفة متقدمة بتقنيات التعدين والصياغة والميتالورجيا، وهو ما يشير إلى وجود نظام اقتصادي واجتماعي قادر على دعم مثل هذه الحرف الفاخرة. كما تؤكد هذه الموجودات الأثرية على المكانة الرفيعة التي حظي بها الفرعون، الذي لم يكن مجرد حاكم دنيوي، بل كان يُعتبر إلهًا على الأرض يستحق أفضل ما يمكن تقديمه في حياته ومماته. إن وجود هذه الصنادل الذهبية هو شهادة حية على أن الابتكار والرفاهية في مصر القديمة وصلا إلى مستويات لم تكن معروفة في أجزاء كثيرة من العالم في ذلك الوقت.





