الصين تفرض قيودًا جديدة على صادرات تقنيات المعادن النادرة الحيوية
في خطوة تعكس التوترات الجيوسياسية المتزايدة بشأن سلسلة التوريد العالمية للمواد الحيوية، فرضت الصين، في أواخر عام 2023 وبدايات عام 2024، قيودًا جديدة على تصدير التقنيات المتعلقة بمعالجة المعادن النادرة وتصنيع المغناطيس. تأتي هذه الإجراءات، التي أعلنت عنها وزارة التجارة الصينية والإدارة العامة للجمارك، لتشدد قبضة بكين على قطاع حيوي تعد فيه لاعباً مهيمناً عالمياً، ولتحمي تفوقها التكنولوجي في صناعات استراتيجية.
تُعد هذه القيود إضافة إلى قائمة متنامية من الإجراءات التي تتخذها الصين لحماية أصولها التكنولوجية وامتيازاتها الصناعية، في سياق المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية المحتدمة مع الولايات المتحدة وحلفائها. وتثير هذه الخطوة قلقاً دولياً بشأن مرونة سلاسل الإمداد وتوفر التقنيات الأساسية للصناعات الحديثة.
خلفية وأهمية المعادن النادرة
المعادن النادرة هي مجموعة من سبعة عشر عنصراً كيميائياً أساسياً لا غنى عنها في مجموعة واسعة من المنتجات التكنولوجية المتقدمة. تشمل هذه المنتجات الهواتف الذكية، والمركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، وأنظمة الأسلحة المتطورة، والأجهزة الطبية، وغيرها الكثير. ورغم وفرة هذه المعادن نسبياً في قشرة الأرض، إلا أن استخراجها ومعالجتها وتنقيتها عملية معقدة ومكلفة بيئياً.
تتمتع الصين بهيمنة شبه كاملة على سلسلة توريد المعادن النادرة على مستوى العالم. لا يقتصر هذا التفوق على استخراج الخامات الأولية فحسب، بل يمتد بشكل حاسم إلى مراحل المعالجة والتنقية وتصنيع المنتجات النهائية، مثل المغناطيسات الدائمة عالية الأداء المصنوعة من النيوديميوم والسماريوم. تُقدر حصة الصين في بعض مراحل المعالجة المتقدمة وتصنيع المغناطيسات بنحو 80% إلى 90% من الإنتاج العالمي، مما يمنحها نفوذاً استراتيجياً كبيراً على الصناعات العالمية التي تعتمد على هذه المكونات الحيوية.
تفاصيل اللوائح الجديدة والتقنيات المستهدفة
تستهدف القيود الجديدة بشكل خاص التقنيات المعقدة والمتخصصة المستخدمة في تحويل المعادن النادرة المستخرجة إلى مواد قابلة للاستخدام في الصناعة، وليست فقط المعادن الخام بحد ذاتها. تشمل القائمة المحدثة للتكنولوجيات الخاضعة للرقابة التقنيات المستخدمة في:
- إنتاج مغناطيسات السماريوم-كوبالت: وهي مغناطيسات دائمة تستخدم في تطبيقات تتطلب مقاومة عالية للحرارة.
- إنتاج مغناطيسات النيوديميوم-حديد-بورون: تُعد هذه المغناطيسات الأكثر شيوعًا والأقوى بين مغناطيسات التربة النادرة، وتستخدم على نطاق واسع في المحركات الكهربائية والمولدات ومكبرات الصوت.
- تقنيات الفصل والتنقية عالية الكفاءة: مثل تقنيات فصل السيريوم القائم على السبائك، والتي تُعد ضرورية لإنتاج معادن عالية النقاوة.
وفقاً للوائح، يتوجب على الشركات الصينية الآن الحصول على تراخيص تصدير خاصة لهذه التقنيات من وزارة التجارة الصينية. ويخضع طلب الحصول على الترخيص لتقييمات صارمة تتعلق بالأمن القومي والمصالح الوطنية، مما يمنح الحكومة الصينية سلطة تقديرية واسعة في الموافقة على التصدير أو رفضه.
السياق الجيوسياسي ودوافع بكين
تأتي هذه الإجراءات في خضم تصاعد التنافس التكنولوجي والاقتصادي بين الصين والقوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. لطالما نظرت بكين إلى تفوقها في سلسلة توريد المعادن النادرة على أنه ورقة رابحة استراتيجية. وقد تزايد هذا الاعتقاد مع سعي دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان إلى تقليل اعتمادها على الصين وتأمين سلاسل إمداد بديلة لمواد حيوية.
تُفسر الصين هذه القيود على أنها إجراءات ضرورية لحماية أمنها القومي ومصالحها التكنولوجية. ويُنظر إليها على أنها رد مباشر على جهود الدول الغربية لفرض قيود على صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين، مثل الرقائق الإلكترونية ومعدات تصنيع أشباه الموصلات. وتأتي هذه الخطوة بعد قيود مماثلة فرضتها الصين في صيف عام 2023 على صادرات المعادن مثل الجاليوم والجرمانيوم، مما يؤكد نمطاً متصاعداً من استخدام مواردها التكنولوجية والمعدنية كأداة للضغط الجيوسياسي والاقتصادي. تهدف بكين إلى إبطاء أو إعاقة قدرة الدول الأخرى على بناء قدراتها المستقلة في معالجة المعادن النادرة وتصنيع المغناطيس، مما يحافظ على تفوقها الصناعي.
ردود الفعل العالمية والتداعيات المحتملة
أثارت القيود الصينية الجديدة قلقاً واسع النطاق في الأوساط الصناعية والحكومية حول العالم. ترى الحكومات الغربية أن هذه الإجراءات قد تزيد من هشاشة سلاسل التوريد العالمية وتعيق جهود التنويع التي تبذلها شركاتها. فمعظم الشركات التي تسعى لإنشاء مرافق لمعالجة المعادن النادرة أو تصنيع المغناطيس خارج الصين غالباً ما تعتمد على الخبرة والمعدات الصينية، وستصبح هذه العملية أكثر تعقيداً وكلفة.
على الرغم من أن التركيز الحالي هو على التكنولوجيا وليس بالضرورة على المعادن الخام، إلا أن هذه الخطوة تُعد إشارة واضحة إلى عزم الصين على تشديد قبضتها على الملكية الفكرية والخبرة الفنية في هذا القطاع. من المتوقع أن تدفع هذه القيود بالدول الغربية إلى تسريع استثماراتها في البحث والتطوير لتقنيات بديلة، وبناء سلاسل إمداد محلية مستقلة تماماً عن النفوذ الصيني. ومع ذلك، فإن هذه الجهود تتطلب استثمارات ضخمة سنوات طويلة لتؤتي ثمارها. ستساهم هذه القيود في زيادة حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية وربما تؤدي إلى ارتفاع تكاليف المنتجات التي تعتمد على المعادن النادرة، حيث تسعى الشركات لامتصاص تكاليف التنويع وتقليل المخاطر.
في الختام، تُبرز القيود الصينية الجديدة على صادرات تقنيات المعادن النادرة الحيوية المشهد المتغير للتجارة العالمية والتكنولوجيا، حيث أصبحت سلاسل التوريد والقدرات الصناعية أدوات رئيسية في التنافس الجيوسياسي. ومن المرجح أن تشكل هذه الخطوة تحدياً كبيراً للجهود العالمية الرامية إلى بناء اقتصاد أخضر وتحقيق الاستقلال التكنولوجي.




