العلاقة بين ترامب وإسرائيل: تحليل لديناميكيات النفوذ والتأثير
أثارت فترة رئاسة دونالد ترامب جدلاً واسعاً حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وفتحت الباب أمام تساؤلات عميقة حول مدى النفوذ المتبادل بين الحليفين. ففيما رأى البعض أن سياسات ترامب تمثل انصياعاً كاملاً لأجندة اليمين الإسرائيلي، اعتبرها آخرون جزءاً من استراتيجيته القائمة على مبدأ "أمريكا أولاً" وتحقيق مكاسب سياسية داخلية. لفهم هذه الديناميكية المعقدة، لا بد من تحليل القرارات الرئيسية التي اتخذتها إدارته وتأثيرها على المشهد السياسي في الشرق الأوسط.

خلفية التحالف الاستراتيجي
تاريخياً، قامت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل على أساس تحالف استراتيجي متين، مدعوم بقواسم مشتركة ومصالح جيوسياسية. ومع ذلك، شهدت فترة ترامب تحولاً جذرياً عن النهج الدبلوماسي التقليدي الذي اتبعته الإدارات الأمريكية السابقة، والتي كانت تسعى غالباً للحفاظ على دورها كوسيط محايد، على الأقل ظاهرياً، في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
قرارات مفصلية خلال فترة رئاسته
اتخذت إدارة ترامب سلسلة من الخطوات غير المسبوقة التي أعادت تشكيل السياسة الأمريكية في المنطقة بشكل كبير. هذه القرارات، التي تم الترحيب بها بحرارة في إسرائيل، أثارت قلقاً واسعاً في العالم العربي والمجتمع الدولي. من أبرز هذه القرارات:
- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس: في مايو 2018، نفذت الإدارة وعداً قديماً بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، في خطوة اعتبرت اعترافاً رسمياً بالمدينة عاصمة لإسرائيل. هذا القرار كسر إجماعاً دولياً استمر لعقود، والذي ربط مصير المدينة بمفاوضات الحل النهائي.
- الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان: في مارس 2019، وقع ترامب إعلاناً يعترف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل، في تحول آخر عن السياسة الأمريكية والدولية الراسخة.
- الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني: استجابة لمطلب رئيسي من الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018 وأعادت فرض عقوبات صارمة على إيران، مما زاد من حدة التوتر الإقليمي.
- اتفاقيات أبراهام: رعت إدارته اتفاقيات تطبيع تاريخية بين إسرائيل وكل من الإمارات العربية المتحدة، البحرين، السودان، والمغرب. ورغم أن هذه الاتفاقيات مثلت نجاحاً دبلوماسياً، إلا أنها همّشت القضية الفلسطينية بشكل كبير.
ديناميكيات النفوذ المتبادل
يطرح هذا الدعم المطلق تساؤلاً جوهرياً: هل كان ترامب ينفذ سياسات إسرائيلية أم يخدم مصالحه الخاصة؟ يرى محللون أن العلاقة كانت تكافلية. فمن ناحية، قدم ترامب لنتنياهو مكاسب سياسية غير مسبوقة عززت موقفه الداخلي. ومن ناحية أخرى، استخدم ترامب هذه القرارات لتعزيز شعبيته لدى قاعدته الانتخابية، خاصة المسيحيين الإنجيليين الذين يشكلون كتلة تصويتية مهمة ويدعمون إسرائيل بقوة.
العلاقة الشخصية الوثيقة بين ترامب ونتنياهو لعبت دوراً محورياً، لكنها لم تكن خالية من التوترات. فقد ورد أن ترامب شعر بالغضب من نتنياهو لتهنئته السريعة للرئيس جو بايدن بعد فوزه في انتخابات 2020، مما كشف عن الطبيعة الشخصية والبراغماتية التي تحكم نظرة ترامب لهذه التحالفات.
تطورات ما بعد الرئاسة والمشهد الحالي
حتى بعد مغادرته البيت الأبيض، استمر تأثير ترامب في الظهور. ففي تصريحات حديثة له عقب هجمات أكتوبر 2023 والحرب التي تلتها في غزة، وجه ترامب انتقادات للطريقة التي أدارت بها إسرائيل حملتها العسكرية، داعياً إياها إلى "إنهاء الأمر بسرعة". هذه التعليقات تظهر أن دعمه ليس غير مشروط، بل يخضع لحساباته السياسية الخاصة، بما في ذلك تأثير الحرب على صورة أمريكا عالمياً.
اليوم، ومع احتمالية عودته إلى الرئاسة، يواجه القادة في إسرائيل والمنطقة حالة من عدم اليقين. فهل ستستمر سياسات الدعم المطلق، أم أن ولاية ثانية لترامب قد تشهد نهجاً أكثر تقلباً وغير متوقع، يركز بشكل أكبر على تحقيق صفقات سريعة بدلاً من الالتزام بتحالفات استراتيجية طويلة الأمد؟ يبقى السؤال حول من يقود من في هذه العلاقة مفتوحاً، مما يعكس مدى تعقيد وتشابك المصالح بين واشنطن وتل أبيب في عهد ترامب وما بعده.




