الفنانة سميرة أحمد تستعيد ذكريات بداياتها الفنية ولقاءاتها الأولى مع أنور وجدي وعبد الحليم حافظ
في إطلالة تلفزيونية حديثة نادرة، كشفت الفنانة المصرية الكبيرة سميرة أحمد عن تفاصيل شيقة من رحلتها الفنية الطويلة، مسلطة الضوء على بداياتها المتواضعة وأولى لقاءاتها مع قامات الفن المصري، الراحلين الكبيرين أنور وجدي وعبد الحليم حافظ. جاء ذلك مؤخراً ضمن حلقة خاصة من برنامج "باب الخلق" مع الإعلامي محمود سعد، حيث أثارت هذه الذكريات اهتماماً واسعاً نظراً لأهميتها في توثيق تاريخ السينما المصرية وتقديم لمحة شخصية عن تجارب النجوم في عصرها الذهبي.

خلفية فنية: العصر الذهبي للسينما المصرية
تعتبر سميرة أحمد واحدة من أيقونات السينما المصرية التي عاصرت فترات تحول وازدهار كبيرة في الصناعة الفنية. تزامن ظهورها مع جيل من النجوم والمخرجين الذين أسسوا لأعمال خالدة لا تزال محفورة في الذاكرة الجمعية للمشاهد العربي. كان أنور وجدي، الفنان الشامل والمنتج والمخرج، رمزاً للنجاح والطموح في السينما المصرية، بينما كان عبد الحليم حافظ، "العندليب الأسمر"، ليس فقط مطرباً ذا صوت استثنائي بل ممثلاً جذاباً شكل ثنائيات ناجحة على الشاشة الفضية. تكتسب ذكريات هؤلاء النجوم أهمية كبرى كونها تمثل شهادة حية على تلك الفترة الثرية، وتكشف عن الكواليس الإنسانية والفنية التي شكلت مسيرتهم الحافلة، مانحةً الأجيال الجديدة فهماً أعمق لتاريخ الفن في المنطقة.
اللقاء الأول مع أنور وجدي: "جنيه واحد ونجمة كبيرة"
روَت سميرة أحمد تفاصيل لقائها الأول الذي جمعها بالفنان أنور وجدي، والذي كان بمثابة البوابة الأولى لدخولها عالم التمثيل. أوضحت أنها كانت ضمن مجموعة كبيرة من الفتيات الطامحات اللاتي يبحثن عن فرصة، حين اختارها وجدي من بينهن ليختبر قدرتها على أداء مشهد صغير. طلب منها أن تقول جملة بسيطة: "تشربي شامبنيا يا ليلى هانم؟". وعلى الرغم من صغر سنها وعدم إدراكها الكامل لمعنى الكلمة وقتها، إلا أنها كررت الجملة بحماس ونزلت تجري فوراً بعد أدائها للمشهد بنجاح.
المفارقة حدثت عند قبض أجرها. كان المتعارف عليه في ذلك الوقت أن الأدوار الصامتة تتقاضى جنيهاً واحداً، بينما الأدوار التي تتضمن حواراً يُدفع لها جنيه ونصف. وبما أنها قد تحدثت في المشهد، توقعت الحصول على المبلغ الأخير الذي يعكس دورها الناطق. لكنها فوجئت بدفع جنيه واحد فقط. ذهبت سميرة أحمد إلى أنور وجدي لتشتكي من هذا الأمر، فما كان منه إلا أن قال لها مقولته الشهيرة التي ظلت محفورة في ذاكرتها وكانت بمثابة حافز كبير لها: "خذي الجنيه ده، وهتبقي نجمة كبيرة". لم تكن هذه الكلمات مجرد رد على شكوى، بل كانت بمثابة نبوءة وتحفيز مبكر من فنان كبير رأى فيها موهبة واعدة تستحق الفرصة، وهي قصة تؤكد كيف أن بعض اللحظات البسيطة يمكن أن ترسم مسار حياة فنان بأكمله وتمنحه الدافع للاستمرار.
تجربة "البنات والصيف" مع عبد الحليم حافظ: دور الخادمة وأهميته
لم تكن ذكريات سميرة أحمد مع أنور وجدي هي الوحيدة التي أثارت الاهتمام، بل امتدت لتشمل أول تعاون لها مع "العندليب الأسمر" عبد الحليم حافظ في فيلم "البنات والصيف". كشفت الفنانة أنها كانت تحلم بالوقوف أمام عبد الحليم حافظ يوماً ما، وعندما اتصل بها المخرج صلاح أبو سيف، اعتقدت أنها ستحصل على دور البطولة الذي طالما تمنته في مسيرتها الفنية، خصوصاً مع نجم بحجم عبد الحليم حافظ. لكن المفاجأة كانت بعرض دور "الخادمة".
أبدت سميرة أحمد في البداية حزنها وخيبة أملها من طبيعة الدور المعروض عليها، فهو لم يكن ما تخيلته أو رسمته لمسيرتها المهنية في ذلك الوقت. ومع ذلك، وبفضل إصرارها على قراءة السيناريو كاملاً قبل اتخاذ أي قرار، أمضت ليلة كاملة في دراسته وتحليل أبعاد الشخصية. وجدت أن الدور، رغم كونه لدور خادمة، كان عميقاً ومؤثراً وبه أبعاد درامية تستحق الأداء والمجهود. وافقت على الفور، وأدت الدور بإتقان كبير وحرفية عالية. كان أجرها عن الفيلم 400 جنيه، وهو مبلغ يعتبر جيداً لتلك الفترة ويعكس مكانتها المتنامية، والأهم من ذلك أنها اعتبرت هذا الدور من "أحلى الأدوار" التي قدمتها في حياتها الفنية، مما يدل على أهمية المحتوى وعمق الشخصية بغض النظر عن حجم الدور. هذه القصة تسلط الضوء على أهمية الدور نفسه وليس فقط حجمه، وكيف يمكن للممثل الحقيقي أن يصنع من الأدوار الثانوية بصمة لا تُنسى في تاريخه الفني.
أهمية هذه التصريحات ودورها في توثيق الفن
تكتسب تصريحات سميرة أحمد أهمية بالغة لأنها تقدم شهادة مباشرة من أحد الرواد الأحياء على تفاصيل دقيقة من كواليس زمن الفن الجميل. في عصر يغيب فيه الكثير من هؤلاء العمالقة وتتزايد فيه الحاجة لتوثيق تاريخهم، تصبح ذكرياتهم مصدراً لا يقدر بثمن للمؤرخين والباحثين في الفن، وكذلك للجمهور على حد سواء. هذه الروايات لا تقتصر على كونها قصصاً شخصية مثيرة للاهتمام، بل هي جزء لا يتجزأ من التاريخ الثقافي لمصر والعالم العربي، فهي توضح التحديات التي واجهت الفنانين في بداياتهم، وكيف تشكلت العلاقات المهنية والشخصية بين النجوم، وتبرز طبيعة صناعة السينما في مراحلها التكوينية وتطوراتها. كما أنها تتيح للجمهور المعاصر فرصة للتواصل مع الماضي وفهم كيف بدأت مسيرة نجومهم المفضلين، والتضحيات التي قدموها في سبيل إثراء الساحة الفنية.
يُشار إلى أن ظهور الفنانة سميرة أحمد في هذا اللقاء التلفزيوني جاء بعد غياب طويل عن الظهور الإعلامي، مما جعل هذه التصريحات أكثر قيمة وتأثيراً، حيث قدمت كنزاً من الذكريات والتفاصيل التي تضيء جوانب خفية من تاريخ الفن المصري وتثري مكتبة الذاكرة الثقافية للأمة العربية.





