المغرب يخصص 14 مليار دولار لتعزيز قطاعي التعليم والصحة بحلول عام 2026
أعلن المغرب، يوم الأحد الموافق 27 أكتوبر 2024، عن تخصيص استثمار ضخم يبلغ 140 مليار درهم مغربي، أي ما يعادل حوالي 14 مليار دولار أمريكي، لقطاعي التعليم والصحة. يهدف هذا الإنفاق الكبير، المخصص للفترة التي تسبق وتغطي عام 2026، إلى إحداث تحول نوعي في جودة الخدمات المقدمة وتوسيع نطاق الوصول إليها، بالإضافة إلى خلق أكثر من 27 ألف فرصة عمل جديدة في هذين القطاعين الحيويين. تعكس هذه الخطوة التزام المملكة الراسخ بتعزيز الرأسمال البشري وتحقيق التنمية المستدامة، بما يتماشى مع التوجيهات الملكية والنموذج التنموي الجديد.

الخلفية والسياق: أولويات التنمية الوطنية
تأتي هذه المخصصات المالية الكبيرة ضمن رؤية المغرب الاستراتيجية لتعزيز ركائز دولته الاجتماعية وتلبية تطلعات مواطنيه نحو خدمات عمومية ذات جودة عالية. لقد أولى النموذج التنموي الجديد، الذي أطلقه المغرب، أولوية قصوى لتطوير الرأسمال البشري، معتبراً أن التعليم والصحة هما حجر الزاوية لأي تقدم اقتصادي واجتماعي مستدام. على مر السنين، واجه كلا القطاعين تحديات جسيمة، تمثلت في نقص الموارد البشرية والمالية، والبنية التحتية المتدنية في بعض المناطق، والتفاوتات الجغرافية في الوصول إلى الخدمات الأساسية، مما أثر على جودة الخدمات المقدمة وفعاليتها.
تدرك الحكومة المغربية أن الاستثمار في هذين القطاعين لا يمثل فقط واجباً اجتماعياً، بل هو أيضاً استثمار استراتيجي طويل الأمد يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الإنتاجية وتحسين مستوى المعيشة. لطالما كانت هناك دعوات متزايدة لإصلاح شامل يضمن تكافؤ الفرص في الحصول على تعليم جيد ورعاية صحية شاملة، وهو ما تسعى هذه المخصصات الجديدة إلى تحقيقه بشكل ملموس.
تفاصيل المخصصات وأهدافها
يمثل مبلغ الـ 14 مليار دولار دَفعة قوية وغير مسبوقة للقطاعين، وهو ما يؤكد جدية الالتزام الحكومي. وتتوزع الأهداف الرئيسية لهذه الاستثمارات على النحو التالي:
- قطاع التعليم:
- تحسين جودة التعلم: من خلال تطوير المناهج الدراسية، وإدماج التقنيات الحديثة، وتعزيز الكفاءات اللغوية والرقمية لدى المتعلمين.
 - تأهيل المدرسين: برامج تدريب مستمرة للمدرسين والإداريين لضمان مواكبتهم لأحدث الطرائق التربوية وتحسين أدائهم المهني.
 - توسيع البنية التحتية: بناء وتأهيل المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات، وتوفير التجهيزات الضرورية والموارد التعليمية الحديثة، مع التركيز على المناطق القروية والنائية.
 - دعم التعليم الأولي والمهني: تعميم التعليم الأولي لجميع الأطفال، وتطوير التكوين المهني ليتلاءم مع احتياجات سوق الشغل.
 - الرقمنة: تسريع وتيرة رقمنة التعليم لتمكين التعلم عن بُعد وتوفير موارد تعليمية رقمية غنية.
 
 - قطاع الصحة:
- تعزيز البنية التحتية الصحية: إنشاء وتجهيز مستشفيات ومراكز صحية جديدة، وتحديث المرافق القائمة بأحدث التقنيات الطبية.
 - توسيع التغطية الصحية الشاملة: استكمال ورش تعميم نظام التأمين الإجباري عن المرض (AMO) ليشمل جميع المواطنين، وتوسيع سلة العلاجات والخدمات الصحية.
 - توفير الكوادر الطبية: جذب وتكوين الأطباء والممرضين والفنيين الصحيين، ومعالجة النقص الحاد في بعض التخصصات، وضمان توزيع عادل للكوادر على التراب الوطني.
 - تقوية الرعاية الصحية الأولية: اعتبار المراكز الصحية الأولية المدخل الرئيسي للمنظومة الصحية، وتزويدها بالإمكانيات البشرية والمادية اللازمة.
 - توفير الأدوية والتجهيزات: ضمان توفر الأدوية الأساسية والتجهيزات الطبية الحديثة في جميع المؤسسات الصحية.
 
 
إن إحداث 27 ألف فرصة عمل جديدة في هذين القطاعين سيلعب دوراً محورياً في سد النقص في الكوادر وتحسين جودة الخدمات، وهو ما سيعزز الثقة في المنظومة الصحية والتعليمية بالمملكة.
الإصلاحات الجارية والتحديات
لا تمثل هذه المخصصات المالية بداية للإصلاح، بل هي استمرارية لورش إصلاحية كبرى أطلقها المغرب في السنوات الأخيرة. ففي قطاع التعليم، تعمل الحكومة على تنفيذ خارطة طريق 2022-2026 التي تهدف إلى تحقيق “مدرسة ذات جودة للجميع”، مع التركيز على تجويد التعلمات الأساسية، وتأهيل الأطر التربوية، وتحسين حكامة المنظومة. أما في قطاع الصحة، فقد تم إطلاق قانون إطار شامل لإصلاح المنظومة الصحية، يتضمن تعميم الحماية الاجتماعية، وإعادة هيكلة عرض العلاج، وتثمين الموارد البشرية. ورغم التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات قائمة، مثل ضمان استدامة التمويل، وتجاوز المقاومة المحتملة للتغيير، والحاجة إلى مواصلة جذب الكفاءات وتوزيعها بشكل فعال، وتقليص الفجوة بين الخدمات المقدمة في المناطق الحضرية والقروية.
الأهمية والتأثير المتوقع
يمثل هذا الاستثمار خطوة عملاقة نحو تحقيق أهداف التنمية البشرية المستدامة في المغرب. فمن خلال توفير تعليم عالي الجودة ورعاية صحية شاملة، ستتمكن المملكة من بناء مجتمع أكثر صحة وتعلماً، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحفيز النمو الاقتصادي. هذا من شأنه أن يقلل من الفوارق الاجتماعية والمجالية، ويعزز التكافؤ بين المواطنين في الوصول إلى الخدمات الأساسية. على المدى الطويل، يتوقع أن يعزز هذا الاستثمار مكانة المغرب كقطب إقليمي في مجال التنمية البشرية، ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تبحث عن بيئة مستقرة ذات رأسمال بشري مؤهل. كما أن تحسين جودة الخدمات العمومية يعزز الثقة بين المواطنين والمؤسسات، مما يدعم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
في الختام، تعكس هذه المخصصات المالية غير المسبوقة إرادة سياسية قوية والتزاماً راسخاً من جانب الدولة المغربية بتحقيق تنمية شاملة ومستدامة يكون المواطن في صميمها. يبقى نجاح هذه المبادرة مرهوناً بالتنفيذ الفعال والرقابة المستمرة وتقييم الأثر لضمان تحقيق الأهداف المرجوة وتحويل هذه الاستثمارات إلى واقع ملموس يحسن حياة الملايين.





