خبير يحذر من هوس "الطبيعي" والمكملات: ليست بديلاً للدواء أو الغذاء المتوازن
في الآونة الأخيرة، تزايد الجدل حول المنتجات التي تُروّج على أنها "طبيعية" والمكملات الغذائية، مع تزايد الإقبال عليها من قبل الجمهور الذي يبحث عن حلول سريعة أو بدائل للطب التقليدي. وفي هذا السياق، وجه أحد الخبراء تحذيراً شديداً، مؤكداً أن هذا الهوس بالمنتجات "الطبيعية" والمكملات الغذائية ليس مجرد "موضة بريئة"، بل قد ينطوي على مخاطر جمة، وشدد على أنها لا تشكل بديلاً عن الغذاء المتوازن أو الأدوية الضرورية.

خلفية الظاهرة وتزايد الإقبال
تشهد المجتمعات حول العالم، بما في ذلك المغرب، تصاعداً ملحوظاً في ظاهرة الميل نحو كل ما هو "طبيعي" كحل لمختلف المشكلات الصحية أو لتحسين الأداء العام. ويعزى هذا التوجه إلى عدة عوامل، منها حملات التسويق المكثفة التي تركز على فكرة أن كل ما هو طبيعي آمن بالضرورة وفعال، ونشوء نوع من عدم الثقة في الأدوية الكيميائية التقليدية لدى بعض الأفراد، بالإضافة إلى الرغبة في إيجاد طرق سهلة وسريعة لتحقيق الصحة والعافية دون الحاجة لتغييرات كبيرة في نمط الحياة أو استشارة طبية.
يستغل مسوقو هذه المنتجات ادعاءات غامضة مثل "عضوي"، "خالٍ من المواد الكيميائية"، و"مستخلص من الطبيعة" لجذب المستهلكين. ويشعر الكثيرون بأن استخدام هذه المنتجات يمنحهم شعوراً بالتحكم في صحتهم، ويعدون بها سبيلاً للوقاية من الأمراض أو علاجها.
مخاطر الادعاءات غير المدعومة علمياً
أوضح الخبير أن المشكلة الأساسية تكمن في أن العديد من المنتجات المسوقة تحت مسمى "طبيعي" تفتقر إلى الأبحاث العلمية الصارمة التي تدعم فعاليتها أو سلامتها. فعلى عكس الأدوية التي تمر بمراحل اختبار مكثفة وتجارب سريرية صارمة قبل الموافقة عليها، فإن المكملات والمنتجات "الطبيعية" غالباً ما تخضع لتنظيم أقل صرامة. هذا النقص في التنظيم يمكن أن يؤدي إلى:
- ادعاءات مضللة: ترويج فوائد صحية غير مثبتة علمياً.
 - جودة غير متسقة: تباين كبير في جودة المكونات وتركيزها بين المنتجات المختلفة وحتى بين دفعات الإنتاج للشركة نفسها.
 - تلوث محتمل: وجود مواد ضارة أو معادن ثقيلة أو ملوثات غير معلنة في بعض المنتجات.
 
يشدد الخبراء على أن كلمة "طبيعي" لا تعني بالضرورة "آمن" أو "فعال"، فالعديد من السموم الموجودة في الطبيعة قاتلة، والعديد من الأعشاب قد تتفاعل بشكل سلبي مع الأدوية الأخرى أو تسبب آثاراً جانبية خطيرة.
المكملات الغذائية: بين الحاجة والمخاطر
تُعد المكملات الغذائية، التي تتضمن الفيتامينات والمعادن والأعشاب والأحماض الأمينية، عنصراً مهماً في بعض الحالات، خاصة للأشخاص الذين يعانون من نقص غذائي محدد (مثل نقص فيتامين D أو الحديد) أو لديهم احتياجات خاصة (مثل النساء الحوامل أو كبار السن). ومع ذلك، يحذر الخبير من أن الاستخدام غير المبرر أو المفرط لهذه المكملات يمكن أن يكون له عواقب وخيمة. فالمكملات ليست بديلاً عن الغذاء المتوازن الذي يوفر مجموعة واسعة ومعقدة من العناصر الغذائية والألياف ومضادات الأكسدة التي تعمل معاً بشكل تآزري، وهو ما لا تستطيع حبة مكمل واحدة توفيره.
من المخاطر المحتملة للمكملات الغذائية:
- التداخل مع الأدوية: بعض المكملات يمكن أن تتفاعل بشكل خطير مع الأدوية الموصوفة، مما يؤثر على فعاليتها أو يزيد من آثارها الجانبية.
 - الجرعات الزائدة: تناول جرعات عالية من بعض الفيتامينات والمعادن يمكن أن يكون ساماً للجسم.
 - تأخير التشخيص والعلاج: الاعتماد على المكملات قد يؤخر البحث عن الرعاية الطبية المناسبة للحالات الصحية الخطيرة.
 - النقص في الرقابة: في العديد من البلدان، تُصنف المكملات كأطعمة وليست أدوية، مما يعني أنها لا تخضع لنفس معايير الاختبار والاعتماد الصارمة التي تطبق على الأدوية.
 
الغذاء المتوازن كركيزة أساسية للصحة
تؤكد التحذيرات الطبية باستمرار على أن النظام الغذائي المتوازن يظل الركيزة الأساسية للحفاظ على صحة جيدة والوقاية من الأمراض. فالغذاء الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون والدهون الصحية يوفر جميع العناصر الغذائية الضرورية التي يحتاجها الجسم لأداء وظائفه على النحو الأمثل. لا يمكن للمكملات الغذائية أن تحل محل القيمة الغذائية الشاملة وتنوع المركبات النشطة بيولوجياً الموجودة في الأطعمة الكاملة.
على سبيل المثال، لا توفر حبوب فيتامين C نفس مضادات الأكسدة والمركبات النباتية الأخرى الموجودة في حبة البرتقال الكاملة. هذا التفاعل المعقد بين المكونات الغذائية هو ما يساهم في الفوائد الصحية الكبيرة للنظام الغذائي المتوازن.
دور الأدوية والتشخيص الطبي السليم
يشدد الخبير على أن الأدوية الموصوفة من قبل الأطباء، بعد تشخيص دقيق للحالة، هي الحل الأمثل والأكثر فعالية لعلاج الأمراض والحالات الصحية المستجدة. فالأدوية تخضع لأبحاث وتجارب مكثفة لضمان سلامتها وفعاليتها في علاج أمراض معينة أو تخفيف أعراضها. إن استبدال الأدوية الموصوفة بـ"علاجات طبيعية" أو مكملات غذائية دون استشارة طبية قد يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية، وتأخير الشفاء، بل وقد يهدد حياة المريض.
يجب على الأفراد الذين يعانون من أي أعراض صحية أو حالات مرضية استشارة الطبيب المختص للحصول على التشخيص الصحيح وخطة العلاج المناسبة، وعدم الاعتماد على المعلومات المنتشرة عبر الإنترنت أو نصائح غير المتخصصين.
دعوات لزيادة الوعي والتنظيم
في ضوء هذه المخاطر، يدعو الخبراء في مجال الصحة العامة إلى تكثيف حملات التوعية لتثقيف الجمهور حول الاستخدام السليم للمكملات الغذائية وأهمية الغذاء المتوازن ودور الطب الحديث. كما يطالبون الجهات التنظيمية بتشديد الرقابة على سوق المكملات والمنتجات "الطبيعية" لضمان جودتها وسلامتها ومنع الترويج لادعاءات صحية مضللة.
يُعد الوعي العام والمعرفة الدقيقة هما السلاحان الرئيسيان لمواجهة هذا الهوس وتوجيه الأفراد نحو اتخاذ قرارات صحية مستنيرة ومدعومة بالدليل العلمي.
في الختام، يؤكد الخبير أن رحلة البحث عن الصحة يجب أن تكون مبنية على العلم، والاعتدال، والاستشارة الطبية المتخصصة، وليس على الموضات العابرة أو الوعود البراقة التي قد لا تستند إلى أساس علمي متين، وأن المنتجات "الطبيعية" والمكملات، وإن كان لها مكانها في سياقات معينة، إلا أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل محل نظام غذائي متوازن أو العلاج الطبي الضروري.





