الهرم البحري الغامض قبالة اليابان: اكتشاف عملاق يتحدى أقدمية أهرامات الجيزة
في تطور قد يعيد صياغة الفهم البشري للتاريخ القديم، كشف تقرير حديث صادر عن وكالة الشؤون الثقافية اليابانية عن دعم لنظريات تؤكد أن «نصب يوناغوني»، وهو هيكل هرمي ضخم مغمور تحت الماء قبالة ساحل جزيرة يوناغوني في أرخبيل ريوكيو، قد يعود تاريخه إلى ما يزيد عن 12 ألف عام. هذا التأريخ يضع النصب الياباني في مصاف أقدم الهياكل المعمارية المعروفة، متجاوزاً بذلك أهرامات الجيزة المصرية بآلاف السنين، والتي يقدر عمرها بحوالي 4500 عام.

الخلفية والاكتشاف
بدأ لغز نصب يوناغوني يتكشف في منتصف الثمانينيات عندما اكتشف كيهاشيرو أراتاكي، غواص محلي، هذه التكوينات الصخرية الضخمة تحت سطح الماء. يقع النصب قبالة الساحل الجنوبي لجزيرة يوناغوني، وهي أقصى الجزر الجنوبية الغربية في اليابان. ما أثار الدهشة الفورية هو الشكل الهندسي الملفت للنظر للهيكل، الذي يضم مصاطب مستقيمة وحوافاً حادة وزوايا قائمة، بالإضافة إلى كتل صخرية يبدو أنها منحوتة بدقة، مما دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأنها من صنع الإنسان وليست مجرد تشكيلات طبيعية.
تشير الأوصاف الأولية إلى أن هذا الهرم البحري يمتد على مساحة واسعة، ويصل ارتفاعه إلى عشرات الأمتار، مع وجود ما يشبه السلالم والطرق الحجرية وفتحات صغيرة تشبه الأنفاق. هذه الخصائص المعمارية دفعته إلى مقارنات بأهرامات المايا والأهرامات المصرية القديمة، مما ألهب خيال الباحثين والمؤرخين على حد سواء حول أصوله المحتملة.
الجدل العلمي: طبيعي أم من صنع الإنسان؟
منذ اكتشافه، أثار نصب يوناغوني جدلاً علمياً واسعاً حول طبيعته الحقيقية. ينقسم العلماء بين فريقين رئيسيين:
- نظرية التكوين الطبيعي: يرى بعض الجيولوجيين أن نصب يوناغوني هو تكوين صخري طبيعي بالكامل، تشكل عبر آلاف السنين بفعل عمليات التعرية الطبيعية، مثل حركة الأمواج والتيارات البحرية، بالإضافة إلى النشاط الزلزالي الذي تشهده المنطقة. ويشيرون إلى أن التكوينات ذات الزوايا الحادة والمصاطب يمكن أن تنتج عن خصائص طبيعية للصخور وعمليات التجوية والتعرية.
- نظرية الهيكل من صنع الإنسان: في المقابل، يجادل علماء آثار وباحثون آخرون، وعلى رأسهم البروفيسور ماساكي كيمورا من جامعة ريوكيو، بأن النصب يحمل سمات لا يمكن تفسيرها بالتكوينات الطبيعية وحدها. ويستشهدون بوجود ما يشبه الدرج المتماثل، والأشكال المنحوتة التي تشبه الحيوانات والوجوه، بالإضافة إلى وجود حفر دائرية مثالية وثقوب مستطيلة لا يمكن أن تكون نتيجة للتعرية العشوائية. ويرون أن هذه الأدلة تشير بقوة إلى تدخل بشري متعمد في نحت وتشكيل هذا الهيكل الضخم.
ويزداد الجدل تعقيدًا بسبب الأدلة الأثرية المحتملة التي تشير إلى وجود أدوات حجرية وقطع أثرية أخرى عُثر عليها بالقرب من الموقع، مما يعزز فكرة وجود حضارة قديمة مسؤولة عن بنائه.
الأهمية التاريخية والتحدي لأهرامات الجيزة
إذا تأكد أن نصب يوناغوني هو من صنع الإنسان ويعود تاريخه إلى أكثر من 12 ألف عام، فإن هذا الاكتشاف سيحمل تداعيات عميقة على فهمنا للتاريخ البشري. يتجاوز هذا العمر بكثير ظهور أولى الحضارات المعروفة في بلاد الرافدين ومصر، والتي بدأ تطورها قبل حوالي 6000 إلى 7000 عام. كما أنه يجعله أقدم بكثير من أهرامات الجيزة، التي تعد من أقدم العجائب الهندسية المعروفة، بفارق زمني يصل إلى حوالي 7500 عام.
هذا التأريخ المقترح يشير إلى وجود حضارة متقدمة تكنولوجياً ومعمارياً في منطقة شرق آسيا خلال العصر الجليدي الأخير، في وقت كانت فيه مستويات سطح البحر أقل بكثير مما هي عليه اليوم. هذا من شأنه أن يدفع المؤرخين وعلماء الآثار إلى إعادة تقييم الجداول الزمنية لتطور الحضارات البشرية، وإمكانية وجود مجتمعات معقدة لم يتم اكتشافها بعد، قادرة على بناء هياكل ضخمة تتطلب تخطيطًا وتنظيمًا وموارد هائلة.
التطورات الأخيرة والتداعيات المستقبلية
إن إعلان وكالة الشؤون الثقافية اليابانية الأخير، الذي يدعم النظريات القائلة بأصول بشرية قديمة لنصب يوناغوني، يمثل نقطة تحول محتملة في النقاش الدائر. وعلى الرغم من أن التقرير لا ينهي الجدل بشكل قاطع، إلا أنه يضيف ثقلاً إلى حجة المؤيدين للطبيعة الاصطناعية للنصب ويدعو إلى مزيد من البحث والدراسة المعمقة.
من المتوقع أن يثير هذا التطور اهتماماً دولياً متزايداً، ويفتح الباب أمام بعثات استكشافية جديدة وتقنيات تأريخ متطورة للكشف عن المزيد من أسرار هذا الموقع الغامض. وإذا تم إثبات صحة هذه النظريات بشكل قاطع، فإن نصب يوناغوني لن يكون مجرد معلم أثري آخر، بل سيصبح دليلاً ملموساً على حضارة مفقودة قد تغير إلى الأبد ما نعرفه عن أصول الحضارة البشرية وتاريخها على كوكب الأرض.





