انتخابات محلية حاسمة في الولايات المتحدة ترسم ملامح المشهد السياسي المستقبلي
تتجه أنظار الولايات المتحدة، يوم غد الثلاثاء، إلى صناديق الاقتراع في يوم انتخابي ذي أهمية استثنائية، ورغم أنه لا يحمل زخم السباقات الرئاسية أو ضجيج الانتخابات النصفية، إلا أنه يمثل مؤشراً دقيقاً ومبكراً للمزاج العام للناخب الأمريكي. تُجرى هذه الانتخابات على مستويات متعددة، تشمل اختيار حكام ولايات، ورؤساء بلديات، وأعضاء هيئات تشريعية، بالإضافة إلى استفتاءات قضائية ودستورية مصيرية في ولايات رئيسية مثل بنسلفانيا وكاليفورنيا ونيويورك. يعتبر المراقبون هذه الانتخابات بمثابة "اختبار نبض" يقيس توازنات القوى بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري قبل المعارك الانتخابية الوطنية الكبرى المقبلة، وتحديداً في عام 2026.

بنسلفانيا: القضاء في قلب العاصفة السياسية
تستأثر ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية متأرجحة حاسمة، باهتمام خاص هذا العام، حيث يواجه ثلاثة من قضاة محكمتها العليا استفتاءً على بقائهم في مناصبهم. يخضع القضاة كريستين دوناهو، وكيفن دوغرتي، وديفيد ويتش لما يُعرف بـ"استفتاء الإبقاء"، وهو إجراء يمنح الناخبين حق تقرير ما إذا كان القاضي يستحق الاستمرار لولاية جديدة. في العادة، تمر هذه الاستفتاءات دون ضجة، لكن الاستقطاب السياسي الحاد في الولاية حوّل هذا التصويت إلى معركة حزبية. أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها معهد فرانكلين ومارشال تراجعاً كبيراً في نسب تأييد القضاة، حيث لم يتجاوز الدعم حاجز 30%، مع وجود غالبية عظمى من الناخبين المترددين. هذا الوضع يعكس تحول القضاء إلى ساحة للصراع السياسي، مما يهدد استقلاليته. إن خسارة أي من هؤلاء القضاة لمنصبه قد يغير التوازن الأيديولوجي للمحكمة العليا في بنسلفانيا، الأمر الذي سيكون له تداعيات كبرى على قضايا مستقبلية حساسة، مثل قوانين تنظيم التصويت ورسم الدوائر الانتخابية وإدارة الطعون في الانتخابات القادمة.
كاليفورنيا وإعادة رسم الخرائط الانتخابية
على الساحل الغربي، تشهد كاليفورنيا استفتاءً لا يقل أهمية يُعرف بـProposition 50. يدعو هذا المقترح إلى تعديل صلاحيات اللجنة المستقلة المسؤولة عن رسم الدوائر الانتخابية، بحيث يُسمح للهيئات التشريعية أو لحاكم الولاية بالتدخل في ظروف معينة لإعادة رسم تلك الخرائط. ينظر إلى هذا الاستفتاء باعتباره اختباراً لإرادة الناخبين في واحدة من أكبر الولايات من حيث التمثيل الفيدرالي. يرى الديمقراطيون أن هذا التعديل ضروري "لتصحيح الخلل التمثيلي" القائم، بينما يعتبره الجمهوريون محاولة صريحة لترسيخ الهيمنة الحزبية عبر ما يعرف بـ"الهندسة السياسية" للدوائر. تتجاوز أهمية هذا الاستفتاء حدود الولاية، لأن أي تغيير في توزيع الدوائر الانتخابية في كاليفورنيا يؤثر بشكل مباشر على ميزان القوى في الكونغرس الأمريكي، وبالتالي على مسار السياسة الوطنية لسنوات طويلة قادمة.
نيويورك: سباق رمزي على هوية المدينة
في نيويورك، تتجه الأنظار إلى سباق انتخابات عمدة المدينة، وهو منصب يتمتع برمزية كبيرة وغالباً ما يكون نقطة انطلاق نحو السياسة الوطنية. تدور المنافسة هذا العام بين المرشح الديمقراطي التقدمي، زهران ممداني، الذي يركز في حملته على القضايا الاجتماعية، ومنافسه الجمهوري الذي يرفع شعار استعادة الأمن والنظام. تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم طفيف لممداني، في سباق يعكس صراعاً أوسع حول هوية أمريكا: هل تتجه نحو مجتمع عالمي منفتح أم نحو فرض الصرامة الأمنية لمواجهة التحديات الداخلية؟ فوز ممداني سيمنح الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي زخماً كبيراً وقد يؤثر على خطاب الحزب في الانتخابات القادمة. أما خسارته فستُقرأ على أنها إنذار بتراجع التيار التقدمي أمام عودة النزعات المحافظة التي بدأت تكتسب شعبية في المدن الكبرى.
مؤشرات مبكرة لمستقبل سياسي
في المجمل، ترسم هذه الانتخابات المتفرقة في بنسلفانيا وكاليفورنيا ونيويورك صورة دقيقة ومعقدة عن حالة الأمة. إنها ليست مجرد تصويت لاختيار مسؤولين محليين، بل هي استفتاء على قضايا جوهرية تتعلق بمعنى العدالة، وشكل التمثيل الديمقراطي، وقدرة النظام السياسي الأمريكي على إدارة خلافاته عبر صناديق الاقتراع. قد يبدو هذا اليوم عابراً في التقويم الوطني، لكن نتائجه ستمثل حبات رمل جديدة في الميزان السياسي الكبير الذي سيحدد وجهة الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.



