انطلاق الدورة 33 لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية وتكريم 10 من رواد الفن
في خطوة تعكس التزام مصر بدعم الفنون والثقافة، شهدت القاهرة، في وقت سابق اليوم، الافتتاح الرسمي للدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية. وقد افتتح الفعاليات الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، في احتفالية مهيبة أقيمت بدار الأوبرا المصرية. هذا الحدث الثقافي البارز، الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام وإدارة المايسترو تامر غنيم، يمثل منارة للموسيقى العربية الأصيلة، ويهدف إلى إحياء التراث الموسيقي وتقديم المواهب الجديدة. وتستمر فعاليات المهرجان حتى 25 أكتوبر الجاري، متضمنة برنامجًا حافلًا بالعروض الموسيقية والندوات الفكرية.

خلفية المهرجان وأهميته الثقافية
يُعد مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية واحدًا من أقدم وأعرق المهرجانات الفنية في المنطقة، وقد حافظ على مكانته كمنصة رئيسية للاحتفاء بالإرث الموسيقي العربي منذ انطلاق دورته الأولى قبل ثلاثة وثلاثين عامًا. على مر السنين، لعب المهرجان دورًا محوريًا في صون الهوية الموسيقية العربية وتطويرها، مقدمًا مسرحًا للفنانين المخضرمين والشباب على حد سواء. لا يقتصر دور المهرجان على تقديم العروض الموسيقية فحسب، بل يشمل أيضًا عقد مؤتمر فكري سنوي يناقش القضايا المتعلقة بالموسيقى العربية، من التأليف والتلحين والأداء إلى التحديات التي تواجه هذا الفن الأصيل في العصر الحديث. يسعى المؤتمر إلى توفير منصة للأكاديميين والباحثين والموسيقيين لتبادل الأفكار والخبرات، مما يساهم في إثراء المحتوى الفني والنقدي للموسيقى العربية.
حفل التكريم وإشادة بإسهامات رواد الفن
تضمنت فعاليات الافتتاح جزءًا خاصًا بتكريم عشرة مبدعين وفنانين بارزين ممن أثروا الحياة الفنية العربية بإسهاماتهم المتفردة على مدار سنوات طويلة. وقد تم تسليم الدروع التقديرية لهم من قبل وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هَنو، تقديرًا لمسيرتهم الفنية الحافلة وجهودهم في الارتقاء بالموسيقى والغناء العربي. يعكس هذا التكريم التزام المهرجان بتقدير الرواد الذين كرسوا حياتهم للفن، سواء كانوا ملحنين، مؤدين، باحثين موسيقيين، أو عازفين. هذه اللفتة ليست مجرد احتفاء فردي، بل هي رسالة تقدير عامة للفن والفنانين، وتأكيد على أن الإبداع الحقيقي لا يزال يحظى بالاعتراف والاحتفاء في المشهد الثقافي العربي. كما أن تكريم هذه القامات يُلهم الأجيال الشابة من الموسيقيين للمضي قدمًا في طريق الإبداع والجودة.
عام أم كلثوم والاحتفاء بإرثها
تأتي الدورة الثالثة والثلاثون للمهرجان هذا العام بصبغة خاصة، حيث تحتفي فعالياته بـ"كوكب الشرق" أم كلثوم، وذلك ضمن احتفالات وزارة الثقافة بـ"عام أم كلثوم". هذه المبادرة تهدف إلى تسليط الضوء على الإرث الفني الهائل لأحد أبرز أيقونات الغناء العربي، التي تركت بصمة لا تمحى في تاريخ الموسيقى. سيتم تخصيص عدد من الندوات والحفلات الموسيقية لاستكشاف مسيرة أم كلثوم الفنية، وتحليل تأثيرها على الأجيال اللاحقة، وعرض بعضٍ من أشهر أعمالها الخالدة بأصوات فنانين معاصرين. يُعد هذا الاحتفاء فرصة فريدة للجمهور لإعادة اكتشاف عبقرية أم كلثوم الفنية، والتعرف على الجوانب المختلفة من شخصيتها ومسيرتها، التي استطاعت أن توحد الأمة العربية بصوتها العذب وأغانيها العميقة. كما يعزز هذا التركيز على أم كلثوم دور المهرجان في الحفاظ على الأصول الموسيقية وتجديد الاهتمام بها.
برنامج المهرجان وتنوع فعالياته
يشمل برنامج مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية لعام 2024 مجموعة واسعة من الفعاليات التي تلبي مختلف الأذواق الموسيقية وتستقطب جمهورًا متنوعًا. يتضمن البرنامج:
- حفلات غنائية وموسيقية: يشارك فيها نخبة من أبرز المطربين والعازفين العرب من مختلف الأجيال، مقدمين توليفة من الأغاني الكلاسيكية والمعاصرة، إلى جانب أعمال جديدة.
 - ندوات ومحاضرات فكرية: تُعقد ضمن فعاليات المؤتمر، وتتناول قضايا مهمة في الموسيقى العربية، مثل التقنيات الحديثة في الأداء، وحفظ المخطوطات الموسيقية، ودور الموسيقى في تشكيل الوعي الثقافي.
 - ورش عمل تدريبية: تستهدف المواهب الشابة والدارسين، لتعليمهم أصول الموسيقى الشرقية والآلات الموسيقية التقليدية.
 - عروض خاصة: تركز على جوانب محددة من التراث الموسيقي أو تكرم فنانين راحلين، بالإضافة إلى العروض المخصصة للاحتفاء بأم كلثوم.
 
تسعى دار الأوبرا المصرية، من خلال هذا البرنامج الشامل، إلى تقديم تجربة ثقافية متكاملة تثري الوعي الفني للجمهور وتدعم الحراك الموسيقي في المنطقة.
الأثر الثقافي والاجتماعي للمهرجان
يمتد تأثير مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية إلى ما هو أبعد من مجرد كونه حدثًا فنيًا؛ فهو يمثل رافدًا مهمًا للحفاظ على التراث الثقافي العربي وتعزيزه. من خلال جمع الفنانين والباحثين والجمهور من مختلف أنحاء العالم العربي، يسهم المهرجان في خلق حوار ثقافي وتبادل للخبرات يعزز من الروابط الفنية والإنسانية. كما يوفر المهرجان فرصة للمواهب الشابة للظهور وتقديم أعمالها أمام جمهور واسع، مما يدعم مسيرتهم الفنية ويضمن استمرارية الإبداع في المشهد الموسيقي. علاوة على ذلك، يلعب المهرجان دورًا في تنشيط السياحة الثقافية، حيث يجذب الزوار من داخل مصر وخارجها، مما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي ويعزز مكانة مصر كمركز إشعاع ثقافي وفني في المنطقة. إن دعم الدولة لمثل هذه الفعاليات يؤكد على إيمانها بالدور الحيوي للفن في بناء المجتمع وتشكيل هويته.
باختتامه في 25 أكتوبر الجاري، يُتوقع أن يترك مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية في دورته الثالثة والثلاثين بصمة قوية في المشهد الثقافي، مؤكدًا على قدرة الموسيقى على تجاوز الحدود وتوحيد القلوب، ومجددًا العهد بالاحتفاء بكنوز التراث الفني العربي.




