باحث أزهري يؤكد: الاحتفاء بذكرى الصالحين له أصل في الشريعة والموالد مظاهر ثقافية ومعرفية
في تصريحات حديثة، أكد الدكتور محمد مهنا، الأستاذ بجامعة الأزهر، على أن الممارسات المرتبطة بإحياء ذكرى الأنبياء والأولياء والصالحين تجد أساسًا راسخًا في مصادر التشريع الإسلامي الأساسية، وهي القرآن الكريم والسنة النبوية. وأوضح أن هذه المناسبات، التي تُعرف شعبيًا بـ "الموالد"، لا تقتصر على كونها طقوسًا دينية فحسب، بل تمثل أيضًا تجمعات حية للعلم والثقافة تهدف إلى ترسيخ القيم الروحية والأخلاقية في المجتمع.
الأصل الشرعي للمسألة
استند الدكتور مهنا في تأصيله للمسألة على عدد من الأدلة الشرعية التي تدعم فكرة الاحتفاء بالأيام ذات الأهمية الدينية والتاريخية. وشدد على أن القرآن الكريم نفسه قد أشار إلى أهمية هذه الأيام، ضاربًا المثل بالآية الكريمة على لسان نبي الله عيسى عليه السلام: "وَسَلَامٌ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا". واعتبر أن هذه الآية تمثل إقرارًا إلهيًا بأهمية الاحتفاء بيوم الميلاد كونه مناسبة للتأمل وشكر النعمة. وأضاف أن السنة النبوية الشريفة حافلة بما يدعم هذا المعنى، مثل صيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الإثنين، وعندما سُئل عن السبب، ذكر أنه اليوم الذي وُلد فيه.
الموالد كظاهرة ثقافية واجتماعية
تجاوز الطرح الأكاديمي مجرد البحث عن الدليل الشرعي ليتناول البعد الاجتماعي والثقافي للموالد. فقد وصف الدكتور مهنا هذه الاحتفالات بأنها منصات معرفية حية، حيث يتم فيها:
- مدارسة السيرة العطرة للشخصية المُحتفى بها، سواء كانت لنبي أو ولي صالح، واستخلاص الدروس والعبر من حياتهم.
- إلقاء الدروس والمحاضرات الدينية التي تهدف إلى زيادة الوعي الديني والأخلاقي لدى الحاضرين.
- تجمع الناس على أعمال الخير والبر، مثل إطعام الطعام وتقديم المساعدات للمحتاجين، مما يعزز التكافل الاجتماعي.
- إحياء فنون أصيلة مثل الإنشاد الديني وقراءة الشعر في مدح الأنبياء والصالحين، مما يساهم في الحفاظ على التراث الثقافي.
وبهذا المنظور، تُعتبر الموالد، حسب رأيه، مظاهر حضارية تعكس حيوية المجتمع وتفاعله مع تاريخه ورموزه الدينية بشكل بنّاء، وليست مجرد تجمعات خالية من المضمون.
سياق الجدل الفقهي
تأتي هذه التصريحات في سياق جدل فقهي مستمر حول مشروعية الاحتفال بالموالد. ففي حين ترى تيارات فكرية أخرى أن هذه الممارسات تعد من "البدع" أو المحدثات في الدين التي لم تكن على عهد السلف الصالح، وأنها قد تؤدي إلى الغلو والممارسات الخاطئة، يقدم الطرح الأزهري رؤية مغايرة. يمثل موقف الدكتور مهنا التيار السائد في مؤسسة الأزهر الشريف والعديد من المدارس الإسلامية التقليدية التي تفرق بين أصل إحياء الذكرى، وهو ما تعتبره مشروعًا، وبين بعض الممارسات الخاطئة التي قد تصاحب بعض هذه الاحتفالات، والتي تدعو إلى تهذيبها وتنقيتها بدلاً من رفض المبدأ بالكامل. وعليه، فإن هذا التأكيد يهدف إلى تقديم إطار شرعي وثقافي لهذه العادة الاجتماعية المتجذرة في العديد من البلدان الإسلامية.





