بعد شطبه من قوائم الإرهاب، أحمد الشرع يبدأ زيارة تاريخية للبيت الأبيض
في تطور سياسي مفاجئ يعيد تشكيل مسار الأزمة السورية، وصل رئيس الحكومة السورية الانتقالية، أحمد الشرع، إلى واشنطن هذا الأسبوع في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ أكثر من عقد. تأتي هذه الزيارة بعد أيام قليلة فقط من إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن قرار شطب اسم الشرع، المعروف سابقاً بـ أبو محمد الجولاني، من قوائم الإرهاب الخاصة بها، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً على الساحتين الإقليمية والدولية.

خلفية القرار الأمريكي والتحول في السياسة
يأتي قرار رفع اسم الشرع من قوائم الإرهاب تتويجاً لسنوات من التحولات التي قادها داخل هيئة تحرير الشام، الفصيل الذي كان يُعتبر سابقاً فرعاً لتنظيم القاعدة في سوريا. ووفقاً لمصادر دبلوماسية، استندت واشنطن في قرارها إلى عدة عوامل رئيسية، من بينها فك الارتباط الرسمي والفكري للهيئة مع التنظيمات الجهادية العالمية، وجهودها في محاربة خلايا تنظيم "داعش" في مناطق سيطرتها شمال غرب سوريا، إضافة إلى تبنيها خطاباً سياسياً أكثر اعتدالاً يركز على الإدارة المحلية وتقديم الخدمات بدلاً من الأجندة العالمية.
يمثل هذا التطور تحولاً استراتيجياً كبيراً في سياسة الولايات المتحدة تجاه الملف السوري. فبعد سنوات من التركيز على الحلول العسكرية المحدودة ودعم فصائل المعارضة المتفرقة، يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تراهن على دعم قيادة براغماتية قادرة على تحقيق الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وتقديم بديل يمكن التعامل معه في أي مفاوضات مستقبلية لإنهاء الصراع الممتد منذ عام 2011.
أهداف الزيارة وجدول الأعمال
من المتوقع أن تكون زيارة الشرع إلى البيت الأبيض حافلة بالمباحثات المعقدة التي سترسم ملامح المرحلة المقبلة. ويشمل جدول أعماله لقاءات مع كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية، من بينهم مستشار الأمن القومي وأعضاء بارزون في الكونغرس. تتركز المحادثات حول عدة محاور أساسية:
- الدعم الإنساني والاقتصادي: طلب مساعدات عاجلة لإعادة إعمار البنية التحتية ودعم القطاعات الحيوية في مناطق الإدارة الانتقالية.
- التنسيق الأمني: مناقشة سبل تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود ومنع عودة ظهور التنظيمات المتطرفة.
- مستقبل العملية السياسية: بحث رؤية الإدارة الانتقالية للحل السياسي في سوريا، وضمانات حماية حقوق الأقليات، وشكل الدولة السورية المستقبلية.
- الضمانات الدولية: الحصول على دعم سياسي أمريكي لتثبيت وقف إطلاق النار وتوفير حماية دولية من هجمات محتملة من قبل النظام السوري وحلفائه.
الأهمية الاستراتيجية وردود الفعل
تكتسب هذه الزيارة أهمية رمزية وعملية بالغة، فهي لا تمثل فقط اعترافاً أمريكياً بشرعية الأمر الواقع في شمال سوريا، بل تفتح الباب أمام الشرع وحكومته للحصول على اعتراف دولي أوسع. يرى محللون أن هذه الخطوة تعد بمثابة رسالة قوية إلى كل من روسيا وإيران بأن واشنطن لن تتخلى عن نفوذها في سوريا، وأنها مستعدة للتعامل مع جهات فاعلة جديدة لتحقيق مصالحها.
على صعيد ردود الفعل، أثار القرار والزيارة تبايناً حاداً. فقد أدان النظام السوري في دمشق وحلفاؤه الخطوة بشدة، واصفين إياها بـ"دعم صريح للإرهاب". في المقابل، رحبت أوساط في المعارضة السورية بالزيارة بحذر، معتبرة إياها فرصة لكسر الجمود السياسي، بينما أعربت أطراف أخرى عن قلقها من أن تؤدي هذه الخطوة إلى ترسيخ تقسيم سوريا. أما الحلفاء الإقليميون للولايات المتحدة، فقد تراوحت ردود أفعالهم بين الدعم الضمني والترقب الحذر لنتائج هذه المحادثات التاريخية.





