تغيرات في السياسة الأمريكية تجاه سوريا: رفع اسم أحمد الشرع، وما آفاق التعاون المحتمل؟
في تطور لافت يعكس تحولاً جوهريًا في الموقف الأمريكي تجاه الملف السوري، أعلنت واشنطن مؤخراً عن إزالة اسم أحمد الشرع، الذي يُشار إليه حاليًا بـالرئيس السوري، بالإضافة إلى اسم وزير داخليته أنس خطاب، من قائمة الإرهاب. يأتي هذا القرار بعد سنوات طويلة صنفت فيها الولايات المتحدة الشرع كقيادي إرهابي، ورصدت مكافأة مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات تقود إليه، في إشارة إلى سياسة أمريكية أكثر انفتاحًا وتفاعلاً مع الإدارة السورية الجديدة. هذا التحول يفتح الباب أمام تساؤلات حول طبيعة العلاقات المستقبلية بين البلدين، والملفات المحتملة التي قد تطرح على طاولة أي حوار أو تعاون.

خلفية التحول الجذري
يمثل هذا التطور منعطفًا حاسمًا في المشهد السوري المعقد، الذي شهد منذ عام 2011 صراعًا متعدد الأطراف أثر بشكل عميق على الاستقرار الإقليمي والدولي. لطالما حافظت الولايات المتحدة على موقف حازم تجاه النظام السوري بقيادة بشار الأسد، وتجاه الجماعات المتطرفة التي نشأت أو تعاظمت قوتها في خضم النزاع. وكان أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـأبو محمد الجولاني، أحد أبرز الشخصيات التي وضعتها واشنطن على رأس قائمة المطلوبين، حيث كان يقود هيئة تحرير الشام (HTS)، وهي جماعة سلفية جهادية سيطرت على مناطق واسعة في شمال غرب سوريا، وبالأخص محافظة إدلب.
كانت الولايات المتحدة قد صنفت الشرع كإرهابي عالمي ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يقدم معلومات عنه، وذلك بسبب ارتباطه بتنظيم القاعدة في مراحله الأولى وتصنيف هيئة تحرير الشام ككيان إرهابي. ولكن في السنوات الأخيرة، شهدت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الشرع جهودًا متواصلة لإعادة التموضع والظهور كقوة محلية حاكمة، سعت إلى إظهار نفسها ككيان إداري براغماتي بعيد عن الأجندات الجهادية العالمية، وهو ما أثار نقاشات حول طبيعة علاقتها بالإرهاب الدولي.
إن وصف أحمد الشرع بـالرئيس السوري وأنس خطاب بـوزير الداخلية من قبل مصادر معنية، يعكس تحولاً جذريًا في النظرة إلى الهيكل السياسي في سوريا، ويشير إلى تسلم هذه الإدارة الجديدة زمام الحكم في البلاد، مما يضع الأساس لضرورة إعادة تقييم المواقف الدولية تجاه دمشق.
تفاصيل إزالة الأسماء من قائمة الإرهاب
تعتبر خطوة إزالة اسم أحمد الشرع وأنس خطاب من قائمة الإرهاب بمثابة إقرار ضمني، أو على الأقل إشارة إلى مراجعة عميقة للسياسة الأمريكية في سوريا. فبعد سنوات من سياسة العزل والمكافآت على الرؤوس، يعكس هذا التغيير رغبة واشنطن في إيجاد قنوات تواصل أو الاعتراف بواقع جديد على الأرض. تشير هذه الخطوة إلى أن الإدارة الأمريكية ربما تقيم وجود الشرع وقيادته للإدارة الجديدة على أنه ضرورة براغماتية للتعامل مع واقع ما بعد سقوط النظام السابق، أو أن هناك تقديرًا بأن الشرع وفريقه قد ابتعدوا بالفعل عن الممارسات الإرهابية التي كانت سببًا في تصنيفهم.
قد تكون الأسباب وراء هذا التغيير متعددة، ومنها:
- التعامل مع الواقع الجديد: بعد التطورات الأخيرة في سوريا، قد ترى واشنطن ضرورة للتعامل مع القوى المهيمنة على الأرض، وأي إدارة جديدة تتولى زمام الأمور.
- التمايز عن الإرهاب الدولي: ربما ترى الولايات المتحدة أن الإدارة الجديدة بقيادة الشرع قد قطعت فعليًا علاقاتها بالجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وأنها تركز جهودها على الحكم المحلي والإدارة.
- المنافسة الجيوسياسية: قد يكون الهدف من هذا الانفتاح هو الحد من نفوذ قوى إقليمية ودولية أخرى في سوريا، مثل روسيا وإيران، والبحث عن موطئ قدم للولايات المتحدة في المشهد السوري المتغير.
- الاستقرار الإقليمي: قد يُنظر إلى التعامل مع الإدارة الجديدة كخطوة نحو تحقيق قدر من الاستقرار في المناطق السورية، وربما فتح آفاق لحلول سياسية أوسع.
الآثار والتداعيات المحتملة
لا شك أن لهذا التغيير في السياسة الأمريكية تداعيات واسعة النطاق، سواء على الصعيد السوري الداخلي أو على العلاقات الإقليمية والدولية.
على الساحة السورية
يعزز هذا القرار الشرعية الواقعية للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، وقد يمنحها دفعة قوية نحو ترسيخ حكمها وتوسيع نفوذها. يمكن أن يؤدي ذلك إلى مرحلة جديدة من إعادة الإعمار، وربما عودة اللاجئين، ولكنها ستكون مرتبطة بتوقعات دولية بشأن الحوكمة وحقوق الإنسان. كما قد يؤثر على ديناميكيات القوى بين الفصائل السورية المختلفة، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاندماج أو الصراع.
الموقف الإقليمي والدولي
من المتوقع أن يثير هذا التغيير ردود فعل متباينة على المستويين الإقليمي والدولي. فبينما قد ترحب بعض الأطراف التي تسعى للاستقرار في سوريا بهذا الانفتاح، قد تعبر أطراف أخرى، خاصة تلك التي كانت تعارض الشرع وتصنف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية، عن قلقها من تداعيات هذه الخطوة على جهود مكافحة الإرهاب عالميًا. دول مثل تركيا وروسيا وإيران، التي لها مصالح راسخة في سوريا، ستراقب هذا التطور عن كثب، وقد تعيد تقييم استراتيجياتها.
العلاقات الأمريكية السورية
يفتح رفع الأسماء من قائمة الإرهاب الباب أمام إمكانيات غير مسبوقة للتعاون أو الحوار بين الولايات المتحدة والإدارة الجديدة في سوريا. قد يشمل هذا التعاون قضايا مكافحة الإرهاب المتبقي، المساعدات الإنسانية، أو حتى إعادة الإعمار. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، بما في ذلك المخاوف المستمرة بشأن طبيعة الإدارة الجديدة وسجلها السابق في حقوق الإنسان، وضرورة بناء الثقة في بيئة سياسية شديدة التعقيد.
باختصار، يمثل رفع اسم أحمد الشرع وأنس خطاب من قائمة الإرهاب تحولاً استراتيجيًا ذا دلالات عميقة، قد يعيد تشكيل مسار الصراع السوري ويفتح فصلاً جديدًا من الدبلوماسية والتعاون المحتمل، مع بقاء العديد من الأسئلة حول المستقبل والتحديات القادمة بلا إجابات واضحة.




