شراكة المعادن النادرة: واشنطن تسعى لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى لمواجهة بكين وموسكو
في تحول استراتيجي لافت، تكثف الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية والاقتصادية في منطقة آسيا الوسطى، في خطوة تهدف إلى بناء شراكات قوية مع دول المنطقة وتقديم بديل للنفوذ التقليدي لروسيا والصين. وقد تجلى هذا التوجه بوضوح خلال قمة C5+1 الرئاسية الأولى التي عقدت في سبتمبر 2023، وجمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن مع قادة الدول الخمس في آسيا الوسطى، وهي: كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان. ويمثل هذا الاجتماع رفيع المستوى نقطة تحول في سياسة واشنطن تجاه منطقة ذات أهمية جيوسياسية متزايدة.
خلفية الاهتمام الأمريكي المتجدد
على الرغم من أن منصة الحوار C5+1 تأسست في عام 2015، إلا أنها اكتسبت زخماً غير مسبوق في الآونة الأخيرة. ويأتي هذا الاهتمام المتجدد في سياق التنافس العالمي المحتدم بين واشنطن وبكين، بالإضافة إلى التغيرات الجيوسياسية التي أحدثتها الحرب في أوكرانيا. لقد دفعت هذه التطورات دول آسيا الوسطى، التي ارتبطت تاريخياً بروسيا أمنياً واقتصادياً بالصين، إلى السعي لتنويع علاقاتها الخارجية والبحث عن شركاء جدد. وترى واشنطن في ذلك فرصة استراتيجية لتقديم نفسها كشريك موثوق قادر على دعم سيادة هذه الدول وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة بعيداً عن هيمنة جيرانها الأقوياء.
محور المعادن الحيوية وسلاسل التوريد
يكمن أحد الأهداف الرئيسية للتحرك الأمريكي في تأمين الوصول إلى الموارد المعدنية الحيوية التي تزخر بها منطقة آسيا الوسطى. فهذه المنطقة تمتلك احتياطيات ضخمة من المعادن النادرة، والليثيوم، واليورانيوم، والنحاس، وغيرها من المواد التي لا غنى عنها في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، مثل صناعة أشباه الموصلات، وبطاريات السيارات الكهربائية، ومعدات الطاقة المتجددة. وتسيطر الصين حالياً على جزء كبير من سلاسل توريد هذه المعادن عالمياً، وهو ما تعتبره واشنطن نقطة ضعف استراتيجية. ولمواجهة هذا الوضع، أطلقت الولايات المتحدة ما يعرف بـ"الحوار حول المعادن الحيوية" مع دول C5، وهو مبادرة تهدف إلى:
- رسم خرائط الموارد الجيولوجية في المنطقة.
- تشجيع الاستثمارات من القطاع الخاص الأمريكي في قطاع التعدين.
- تطوير بنية تحتية لإنشاء سلاسل توريد آمنة ومستقلة عن المنافسين الجيوسياسيين.
تحديات ومصالح دول المنطقة
تتعامل دول آسيا الوسطى مع هذا الاهتمام الأمريكي بحذر وبراغماتية، متبعة سياسة خارجية تُعرف بـ"متعددة الأقطاب" تهدف إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع القوى الكبرى. فبينما ترحب بالاستثمارات الأمريكية كعامل مساعد لنموها الاقتصادي وتعزيز استقلالها، فإنها تحرص على عدم إثارة حفيظة شركائها التقليديين. فالصين هي الشريك التجاري الأكبر للمنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق، بينما لا تزال روسيا الضامن الأمني الرئيسي للعديد من هذه الدول. لذلك، فإن انخراطها مع واشنطن يركز على المصالح المشتركة، مثل تطوير ممرات نقل جديدة كـ"الممر الأوسط" (طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين)، الذي يوفر طريقاً تجارياً بديلاً إلى أوروبا يتجاوز الأراضي الروسية.
الأبعاد الجيوسياسية للشراكة الجديدة
يمثل الانخراط الأمريكي المكثف في آسيا الوسطى استثماراً جيوسياسياً طويل الأمد يهدف إلى تغيير موازين القوى في قلب القارة الآسيوية. وتسعى واشنطن من خلال هذه الشراكة إلى إضعاف النفوذين الروسي والصيني تدريجياً عبر تقديم نموذج بديل قائم على الشفافية والاستثمار الخاص واحترام السيادة. ويعتمد نجاح هذه الاستراتيجية على قدرة الولايات المتحدة على تحويل التعهدات الدبلوماسية إلى مشاريع اقتصادية ملموسة تعود بالنفع المباشر على شعوب المنطقة، مما يمنح هذه الدول خيارات أوسع ويعزز من قدرتها على المناورة في الساحة الدولية.





