موقع أحمد الشرع بين موسكو وواشنطن
تتجه الأنظار إلى واشنطن مع الترقب الدولي لزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع المرتقبة يوم الإثنين المقبل، حيث من المقرر أن يلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. تُعد هذه الزيارة خطوة دبلوماسية غير مسبوقة، في ظل تاريخ طويل من التوتر بين البلدين، وقد تحمل في طياتها تغييرات جذرية في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط. يأتي هذا التطور في أعقاب قرار مفاجئ برفع العقوبات الدولية عن الشرع ووزير داخليته، بالإضافة إلى تقارير متزايدة حول خطط أميركية محتملة لإنشاء قواعد عسكرية جديدة في سوريا.

الخلفية الجيوسياسية والعلاقات المتوترة
شهدت العلاقات بين دمشق وواشنطن عقودًا من الجفاء، تفاقمت بشكل كبير بعد اندلاع الأزمة السورية في عام 2011. تبنت الولايات المتحدة سياسة دعم للمعارضة وفرضت حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على النظام السوري، مما أدى إلى عزلة دولية لدمشق. في المقابل، عززت روسيا، الشريك التاريخي لسوريا، من نفوذها العسكري والسياسي، مقدمة دعمًا حيويًا لنظام الشرع مكّنه من استعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية. هذا التفاعل المعقد جعل من سوريا ساحة نفوذ وتنافس بين القوى الكبرى.
لطالما كانت موسكو الداعم الأبرز للشرع على الساحة الدولية، مستخدمة حق النقض في مجلس الأمن ضد قرارات تدين أو تستهدف دمشق، كما أن وجودها العسكري المكثف، لا سيما في قاعدة حميميم الجوية، يؤكد التزامها بالحفاظ على مصالحها في المنطقة. أما الولايات المتحدة، فاحتفظت بوجود عسكري محدود في شمال شرق سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في جهود مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وتُشير التقارير الأخيرة حول احتمالية إنشاء قواعد أميركية دائمة إلى رغبة واشنطن في ترسيخ نفوذ طويل الأمد، مما قد يُحدث تحولًا في ديناميكيات القوى الإقليمية.
تطورات مفتاحية مهدت للزيارة
في تطور لافت، أعلنت مصادر دولية عن رفع العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير داخليته. يُعتقد أن هذا القرار جاء نتيجة لمفاوضات سرية مكثفة، ربما تعكس تغيرًا في أولويات بعض الدول الغربية التي ترى في استقرار سوريا، حتى لو تحت قيادة الشرع، ضرورة لمعالجة تحديات أمنية أوسع نطاقًا مثل مكافحة الإرهاب والتعامل مع أزمة اللاجئين. هذا التحول يمثل تراجعًا عن سياسة العزل التي طُبقت على دمشق لسنوات.
تزامنت عملية رفع العقوبات مع تقارير استخباراتية وتسريبات إعلامية تفيد بوجود مباحثات جارية بين واشنطن وجهات إقليمية حول إمكانية إنشاء قواعد عسكرية أميركية جديدة في مناطق استراتيجية داخل الأراضي السورية. في حال تحقق ذلك، فإن هذه الخطوة ستعيد رسم الخارطة العسكرية في سوريا وتؤثر بشكل مباشر على التوازن بين القوى الكبرى، وقد تثير قلقًا خاصًا لدى كل من موسكو وطهران. وتشير هذه التطورات مجتمعة إلى أن الزيارة المعلنة للشرع إلى واشنطن لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقتها جهود دبلوماسية مكثفة وغير معلنة لتمهيد الطريق لهذا الانفراج.
أجندة الزيارة وتوقعاتها
من المتوقع أن تتصدر أجندة زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن مناقشة سبل التسوية السياسية للأزمة السورية المعقدة، ومستقبل الوجود الأجنبي في البلاد، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المحتمل في جهود مكافحة الإرهاب. كما قد يتناول الطرفان ملفات حساسة مثل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، والتي تمثل تحديات إنسانية واقتصادية كبرى. سيواجه كل من الرئيس ترامب والرئيس الشرع مهمة صعبة في موازنة مصالح بلديهما المتعارضة؛ فواشنطن قد تسعى لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا وتأمين مصالحها الإقليمية، بينما يأمل الشرع في الحصول على دعم دولي لتعزيز سيطرته على البلاد ورفع المزيد من العقوبات الاقتصادية، وربما الحصول على مساعدات لإعادة الإعمار.
من المرجح أن تراقب موسكو هذه الزيارة عن كثب وبقلق، حيث يمكن أن تمثل تحولًا محتملًا في ولاء دمشق، أو على الأقل، محاولة من الشرع لفتح قنوات دبلوماسية جديدة خارج الفلك الروسي. وقد تسعى روسيا لإبداء مخاوفها أو الضغط على دمشق للحفاظ على تحالفاتها التقليدية، معتبرة أي تقارب سوري أميركي محاولة للحد من نفوذها.
الآثار المحتملة على المنطقة
إن نجحت زيارة الشرع في تحقيق انفراجات حقيقية، فقد نشهد تحولات استراتيجية كبيرة في الشرق الأوسط. قد يؤدي أي تقارب أميركي-سوري إلى إعادة تقييم أدوار جميع الفاعلين الإقليميين، بما في ذلك تركيا، وإيران، وإسرائيل، ودول الخليج، التي تتقاطع مصالحها وتتضارب في سوريا. على المدى الطويل، قد تفتح هذه الخطوة الباب أمام حلول سياسية جديدة للأزمة السورية، بعيدًا عن الاستقطاب الحاد الذي ساد لسنوات. ومع ذلك، لا تزال التحديات هائلة، ويتطلب بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة جهدًا دبلوماسيًا مكثفًا واستمرارية في الحوار.
تُعد زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع المرتقبة إلى واشنطن حدثًا تاريخيًا يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل سوريا وموقعها في المشهد الجيوسياسي المتغير. فهل سينجح الشرع في رسم مسار جديد لبلاده بين قطبي موسكو وواشنطن، أم أن التعقيدات الإقليمية والدولية ستبقى عائقًا أمام أي تحول جوهري؟ الأيام القليلة القادمة ستحمل الإجابات حول مدى تأثير هذه الزيارة على مسار الأحداث في المنطقة.





