واشنطن تجدد دعوتها لطرفي النزاع في السودان لإبرام هدنة إنسانية
جددت الولايات المتحدة، في بيانات صدرت خلال الأيام الأخيرة، دعوتها العاجلة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف القتال والاتفاق على هدنة إنسانية فورية. وتأتي هذه الدعوات المتكررة في ظل تفاقم كارثي للأوضاع الإنسانية في جميع أنحاء السودان، حيث يواجه الملايين خطر المجاعة وتتزايد أعداد الضحايا والنازحين مع استمرار الصراع الذي دخل عامه الثاني.

خلفية الصراع وتدهور الأوضاع الإنسانية
اندلع النزاع في السودان في أبريل 2023، بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي". تحول الخلاف السياسي بين الجنرالين إلى حرب مدمرة تركزت في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، أبرزها إقليم دارفور، مما أدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وتدمير البنية التحتية.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية، أسفر الصراع عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين ونزوح ما يزيد عن 10 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا. كما حذرت المنظمات من أن البلاد تقف على حافة مجاعة وشيكة، حيث يعاني أكثر من 18 مليون سوداني من انعدام حاد في الأمن الغذائي، مع صعوبات بالغة في إيصال المساعدات الإنسانية بسبب استمرار القتال وانعدام الممرات الآمنة.
تفاصيل الدعوة الأمريكية والجهود الدبلوماسية
تستند الدعوة الأمريكية الأخيرة إلى ضرورة حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق. وقد أكد مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية، مثل المتحدث باسمها ماثيو ميلر، أن واشنطن تواصل ضغوطها على الطرفين المتحاربين لوقف الهجمات العشوائية والعودة إلى مسار الحوار. وتتضمن هذه الجهود الدبلوماسية:
- فرض عقوبات على أفراد وكيانات من كلا الجانبين متهمين بتأجيج الصراع وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان.
- الدعوة المستمرة لاستئناف المحادثات التي كانت قد استضافتها مدينة جدة السعودية برعاية سعودية-أمريكية، والتي لم تنجح في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
- التأكيد على أن الحل العسكري لن يحقق الاستقرار في السودان، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة وتشكيل حكومة مدنية تلبي تطلعات الشعب السوداني.
مواقف الأطراف المتصارعة والتحديات الميدانية
على الرغم من الدعوات الدولية المتكررة، لم تبد قيادتا الجيش والدعم السريع أي مؤشرات حقيقية على استعدادهما لتقديم تنازلات جوهرية. ويتبادل الطرفان الاتهامات باستمرار بخرق الهدن السابقة واستهداف المدنيين وعرقلة جهود الإغاثة. ويرى مراقبون أن كلا الجانبين ما زال يعتقد بإمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم، مما يعقد من فرص نجاح أي وساطة دولية في الوقت الراهن.
وتتمثل أبرز التحديات على الأرض في انعدام الثقة الكامل بين الطرفين، وتعدد الجبهات القتالية، وتزايد انتشار السلاح بين المجموعات القبلية والمحلية، مما يجعل أي اتفاق لوقف إطلاق النار هشًا وصعب التطبيق على نطاق واسع.
الأهمية والسياق الدولي
تعكس الجهود الأمريكية والأممية حجم القلق الدولي من تداعيات الحرب في السودان، ليس فقط على المستوى الإنساني، بل أيضًا على استقرار منطقة القرن الأفريقي ودول الجوار. ويخشى المجتمع الدولي من أن يؤدي انهيار الدولة السودانية إلى فراغ أمني قد تستغله الجماعات المتطرفة، بالإضافة إلى تفاقم أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية.
في الختام، تبقى دعوة واشنطن الأخيرة بمثابة تذكير بمدى إلحاح الأزمة، لكن فعاليتها تظل مرهونة بمدى استجابة الأطراف المتحاربة للضغوط الدولية، وإدراكها أن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار والمعاناة للشعب السوداني.





