الصراع في السودان: مفاوضات متعثرة ومعارك مستمرة ترسم مستقبلاً غامضاً
بعد مرور أكثر من عام على اندلاع القتال، يواجه السودان مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر، حيث تتسع الفجوة بين الجهود الدبلوماسية المتقطعة والواقع المرير على الأرض. تستمر المواجهات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية، بينما تتعثر محادثات السلام دون تحقيق أي تقدم جوهري، مما يضع البلاد على شفا كارثة إنسانية شاملة.

خلفية الصراع: من التحالف إلى الاقتتال
اندلعت الأزمة الحالية في 15 أبريل 2023، نتيجة تصاعد التوترات بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي". كان الرجلان حليفين سابقين، حيث لعبا دوراً محورياً في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وتشاركا السلطة لاحقاً. لكن الخلافات حول قضايا رئيسية، أبرزها خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش والجدول الزمني لتسليم السلطة للمدنيين، أدت إلى انهيار شراكتهما وتحولها إلى صراع مسلح دموي للسيطرة على الدولة.
مسار المفاوضات: جولات جدة وآمال الهدنة
برزت محادثات جدة، التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، كأهم مسار دبلوماسي لإنهاء الصراع. ورغم نجاحها في التوصل إلى اتفاقات مبدئية بشأن حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، إلا أن هذه التعهدات لم تُترجم على أرض الواقع. تم انتهاك اتفاقات وقف إطلاق النار المتكررة من قبل الطرفين، مما أدى إلى تعليق المحادثات عدة مرات. وتشمل الجهود الدبلوماسية أيضاً مبادرات من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الأفريقي، لكنها لم تتمكن حتى الآن من فرض حل دائم.
التطورات الميدانية الأخيرة: توسع رقعة القتال
شهدت الأشهر الأخيرة تحولات ميدانية كبيرة، أبرزها سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق استراتيجية خارج العاصمة الخرطوم. كان سقوط مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في ديسمبر 2023 نقطة تحول مقلقة، حيث كانت المدينة ملاذاً آمناً لمئات الآلاف من النازحين. كما تواصل قوات الدعم السريع تحقيق تقدم في إقليم دارفور وولايات كردفان، بينما يحتفظ الجيش بسيطرة على أجزاء من العاصمة وشمال وشرق البلاد. هذا التوسع في رقعة القتال يعقّد أي جهود مستقبلية للسلام ويزيد من معاناة المدنيين.
الأثر الإنساني: كارثة تلوح في الأفق
أدى الصراع إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث حذرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة من مجاعة وشيكة. وتوضح الأرقام حجم المأساة:
- نزوح أكثر من 8 ملايين شخص من منازلهم، بينهم ملايين الأطفال، مما يجعلها أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.
- يعاني ما يقرب من 25 مليون شخص، أي نصف سكان السودان، من انعدام الأمن الغذائي الحاد ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
- انهيار شبه كامل للقطاع الصحي، حيث توقفت معظم المستشفيات عن العمل في مناطق النزاع.
- تقارير واسعة النطاق عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي والقتل على أساس عرقي، خاصة في دارفور.
المستقبل المنظور: بين ضغوط الحل السلمي وواقع الحرب
في ظل غياب أفق واضح للحل، يبدو أن كلاً من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما زالا يعتقدان بإمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم. وبينما يزداد الضغط الدولي للدفع نحو وقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية، يظل مصير ملايين السودانيين معلقاً بين استمرار القتال على الأرض وتعثر المفاوضات على طاولة الحوار، مما يجعل الإجابة على سؤال "السودان إلى أين؟" أكثر غموضاً من أي وقت مضى.





