هجمات بطائرات مسيّرة تضرب الخرطوم وعطبرة في تصعيد جديد للصراع السوداني
في تطور لافت للصراع الدائر في السودان، استهدفت هجمات منسقة بطائرات مسيّرة صباح اليوم مناطق حيوية في العاصمة الخرطوم ومدينة عطبرة بولاية نهر النيل. وتُمثل هذه الهجمات، خاصة تلك التي طالت عطبرة، تصعيداً خطيراً في النزاع، حيث أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها المدينة لهجوم من هذا النوع منذ بدء الحرب، مما يوسع النطاق الجغرافي للعمليات العسكرية ويهدد مناطق كانت تعتبر آمنة نسبياً.

تفاصيل الهجمات
في العاصمة الخرطوم، أفاد شهود عيان بسماع دوي انفجارات قوية في مناطق متفرقة، تركزت بشكل خاص حول مواقع يُعتقد أنها تابعة للجيش السوداني. واستهدفت الطائرات المسيّرة، التي لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عنها بشكل فوري، بنية تحتية عسكرية في جنوب الخرطوم ومناطق أخرى، مما أدى إلى تصاعد أعمدة الدخان في سماء المدينة. وقد تزامنت هذه الغارات مع استمرار الاشتباكات المتقطعة على الأرض بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
أما في مدينة عطبرة، فقد كان الهجوم أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية. استهدفت طائرة مسيّرة على الأقل قاعدة عسكرية تابعة للجيش، وهي مقر لسلاح المدفعية، مما أثار حالة من الهلع بين السكان. وتعتبر عطبرة، الواقعة على بعد حوالي 300 كيلومتر شمال شرق الخرطوم، معقلاً رئيسياً للجيش ومركزاً لوجستياً وإدارياً مهماً، كما أنها تستضيف أعداداً كبيرة من النازحين الذين فروا من القتال في العاصمة.
تضاربت الأنباء الأولية حول حجم الخسائر البشرية والمادية. وأفادت مصادر طبية محلية بسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف العسكريين والمدنيين جراء القصف في كلتا المدينتين. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي دماراً لحق ببعض المباني وسيارات الإسعاف وهي تهرع إلى مواقع الهجمات. ولا تزال الأرقام الدقيقة للضحايا غير مؤكدة في ظل صعوبة الوصول إلى المناطق المستهدفة.
السياق والخلفية
تأتي هذه الهجمات في سياق الحرب المدمرة المندلعة منذ أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). وقد أدى الصراع إلى أزمة إنسانية كارثية، مع مقتل الآلاف وتشريد الملايين من السكان، وتدمير واسع للبنية التحتية في البلاد. وشهدت الأشهر الأخيرة تحولاً ملحوظاً في تكتيكات الحرب، مع الاعتماد المتزايد من كلا الطرفين على الطائرات المسيّرة، وخاصة من قبل قوات الدعم السريع التي تمكنت من خلالها من استهداف مواقع عسكرية حيوية في عمق المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
الأهمية الاستراتيجية لاستهداف عطبرة
يكتسب استهداف مدينة عطبرة أهمية خاصة لعدة أسباب. فالمدينة لم تكن فقط مركزاً قيادياً للجيش في شمال البلاد، بل كانت أيضاً بمثابة ملاذ آمن لمئات الآلاف من النازحين. يمثل هذا الهجوم رسالة واضحة من الجهة المنفذة بقدرتها على الوصول إلى عمق مناطق سيطرة الجيش، ويهدف إلى زعزعة استقرار المناطق الخلفية له وإثارة القلق بين السكان المدنيين وقواته على حد سواء. ويُنذر هذا التطور بتفاقم الأوضاع الإنسانية، حيث قد يدفع الهجوم سكان عطبرة والنازحين فيها إلى موجة نزوح جديدة بحثاً عن مناطق أكثر أمناً، مما يزيد الضغط على الموارد المحدودة أصلاً في الولايات الشمالية والشرقية.
الاتهامات وردود الفعل
على الرغم من عدم صدور بيان رسمي يتبنى الهجمات، وجهت مصادر إعلامية موالية للجيش السوداني أصابع الاتهام مباشرة إلى قوات الدعم السريع، معتبرة أن الهجوم على عطبرة يكشف عن نوايا الدعم السريع لجر البلاد بأكملها إلى أتون الحرب. من جانبها، لم تعلق قوات الدعم السريع على هذه الاتهامات حتى الآن، وهو ما يتماشى مع سياستها المعتادة في مثل هذه العمليات النوعية. ويسود صمت رسمي من قبل السلطات الحكومية والجيش حتى الآن، في انتظار تقييم الموقف بشكل كامل.
التداعيات المستقبلية
يفتح هذا الهجوم الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع قد تتسم بتوسع جغرافي أكبر وتصعيد في استخدام الأسلحة النوعية مثل الطائرات المسيّرة. كما أنه يقوض جهود السلام المتعثرة ويزيد من تعقيد المشهد العسكري والسياسي في السودان، ويبدد الآمال في إمكانية حصر القتال في مناطق محددة، مما يضع البلاد أمام مستقبل أكثر قتامة.





