تصاعد العنف في الفاشر يغذي مخاوف تقسيم السودان
تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تصعيداً عسكرياً خطيراً خلال الأسابيع الأخيرة، حيث تحولت إلى بؤرة الصراع المحتدم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. هذا القتال العنيف لا يهدد بكارثة إنسانية واسعة النطاق فحسب، بل يثير أيضاً مخاوف جدية من أن تكون المدينة هي الشرارة التي قد تقود السودان إلى سيناريو التقسيم الفعلي وتفتيت وحدته.

خلفية الصراع: الأهمية الاستراتيجية للفاشر
تكتسب الفاشر أهمية استراتيجية كبرى لكلا طرفي النزاع. فهي آخر عاصمة من عواصم ولايات دارفور الخمس التي لا تزال خارج سيطرة قوات الدعم السريع. كما أنها تمثل مركزاً إدارياً وعسكرياً رئيسياً للجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه في الإقليم. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت المدينة ملاذاً آمناً لمئات الآلاف من النازحين الذين فروا من مناطق أخرى في دارفور، مما يجعلها مركزاً إنسانياً حيوياً. السيطرة على الفاشر تعني بالنسبة لقوات الدعم السريع إحكام قبضتها الكاملة على إقليم دارفور الشاسع، وهو ما يمنحها ورقة تفاوضية هائلة ويعزز من نفوذها العسكري والسياسي.
تطورات ميدانية وأزمة إنسانية
منذ شهر مايو 2024، فرضت قوات الدعم السريع وميليشياتها المتحالفة حصاراً خانقاً على الفاشر، وبدأت هجمات متكررة على أحيائها المكتظة بالسكان. تشير التقارير الواردة من المدينة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف العشوائي الذي يستهدف المناطق السكنية والمرافق الحيوية. وقد تعرضت المستشفيات، بما في ذلك المستشفى الجنوبي، لهجمات متكررة أدت إلى خروجه عن الخدمة، مما فاقم من معاناة المدنيين. وحذرت منظمات إنسانية دولية من أن الوضع في الفاشر يتجه نحو كارثة وشيكة، مع نقص حاد في الغذاء والماء والدواء، وانقطاع سبل وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين، مما يهدد حياة أكثر من 1.5 مليون شخص داخل المدينة ومحيطها.
مخاوف التقسيم والبعد العرقي
تتجاوز معركة الفاشر كونها مجرد مواجهة عسكرية، لتمثل نقطة تحول محتملة في مسار الدولة السودانية. يعتقد العديد من المحللين أن سقوط المدينة في يد قوات الدعم السريع قد يدفعها إلى إعلان إدارة منفصلة أو حكم ذاتي في إقليم دارفور، مستغلة سيطرتها على الإقليم الغني بالموارد. هذا السيناريو من شأنه أن يؤسس لتقسيم غير رسمي للبلاد، حيث يسيطر الجيش على الشمال والشرق، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على الغرب وأجزاء من العاصمة. ومما يزيد من خطورة الوضع هو البعد العرقي للصراع، حيث تتهم قوات الدعم السريع وميليشيات عربية متحالفة معها باستهداف ممنهج للمجتمعات غير العربية في دارفور، مثل الزغاوة والمساليت والفور، مما يعيد إلى الأذهان فظائع الإبادة الجماعية التي شهدها الإقليم في أوائل الألفية الثالثة.
ردود الفعل الدولية والتحذيرات
أثار التصعيد في الفاشر قلقاً دولياً واسعاً. وقد حذر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة من العواقب الكارثية للحصار، داعياً إلى وقفه فوراً وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. كما عبرت الولايات المتحدة ودول أخرى عن قلقها البالغ من التقارير التي تتحدث عن فظائع ترتكب على أساس عرقي، محذرة من أن ما يحدث قد يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. ورغم هذه الدعوات، استمر القتال على الأرض، مما يضع مستقبل السودان كدولة موحدة على المحك، ويجعل مصير ملايين المدنيين في الفاشر معلقاً بخيط رفيع.




