موسكو تجد نفسها مضطرة لتعزيز إشاراتها لواشنطن بشأن التجارب النووية
في تطور يعكس تصاعد التوترات في ملف الأمن النووي، أعلنت روسيا مؤخرًا أنها تجد نفسها مضطرة لإرسال رسائل إضافية وواضحة إلى الولايات المتحدة بشأن قضايا التجارب النووية. تأتي هذه الخطوة في ظل تقارير واستشارات داخلية أمريكية تشير إلى إمكانية استئناف واشنطن لتجاربها النووية، وهو ما يثير قلقًا عميقًا في موسكو والمجتمع الدولي بشأن مستقبل ضبط التسلح والاستقرار الاستراتيجي.

خلفية تاريخية: حظر التجارب النووية
تعود جذور حظر التجارب النووية إلى حقبة الحرب الباردة، عندما أدركت القوى العظمى خطورة السباق النووي وعواقبه الكارثية. بعد آلاف التجارب التي أجريت من قبل عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، تم التوصل إلى اتفاقيات جزئية للحظر في ستينيات القرن الماضي. كانت نقطة التحول الكبرى هي التوقف غير الرسمي للتجارب النووية في أوائل التسعينيات، والذي توج بصياغة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية (CTBT) في عام 1996. تهدف هذه المعاهدة إلى حظر جميع أنواع التجارب النووية في جميع البيئات، سواء تحت الأرض أو في الجو أو في الفضاء أو تحت الماء.
- لقد صادقت روسيا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ملتزمة بوقف أي تفجيرات نووية.
- على النقيض، وقعت الولايات المتحدة على المعاهدة لكنها لم تصدق عليها قط، مما يترك الباب مفتوحًا نظريًا أمام استئناف التجارب، وإن كانت واشنطن قد حافظت على وقف اختياري للتجارب منذ عام 1992.
- يعتبر الحفاظ على نظام حظر التجارب النووية حجر الزاوية في جهود منع الانتشار النووي، حيث يحد من قدرة الدول على تطوير أجيال جديدة من الأسلحة النووية.
تطورات حديثة: نقاشات أمريكية حول استئناف التجارب
في وقت سابق من عام 2020، تداولت تقارير إعلامية ومناقشات داخل الأوساط السياسية والأمنية الأمريكية فكرة استئناف التجارب النووية. جاءت هذه المناقشات، بحسب المصادر، مدفوعة بعدة عوامل، منها الحاجة المزعومة للتحقق من سلامة وموثوقية الترسانة النووية الأمريكية الحالية في غياب تجارب فعلية، أو لتطوير رؤوس حربية جديدة يمكنها مواجهة التحديات الأمنية المستجدة. كما ربط البعض هذه النقاشات بالرغبة في إرسال رسالة ردع قوية للمنافسين الاستراتيجيين، لا سيما الصين وروسيا، اللتين تتهمهما واشنطن أحيانًا بعدم الالتزام الكامل بالقيود النووية.
هذه التقارير أثارت ردود فعل دولية واسعة، حيث عبرت العديد من الدول والمنظمات عن قلقها من أن يؤدي أي استئناف للتجارب إلى تآكل نظام عدم الانتشار النووي وإشعال سباق تسلح جديد.
الموقف الروسي و"الإشارات الإضافية"
في مواجهة هذه التكهنات، أكدت روسيا مرارًا وتكرارًا التزامها بمعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وقد صرح مسؤولون روس، ومنهم شخصيات بارزة في مجلس الاتحاد الروسي، بأن أي خطوة أمريكية نحو استئناف التجارب ستجبر موسكو على اتخاذ إجراءات مماثلة للحفاظ على توازن القوى النووية. وتُفسر "الإشارات الإضافية" التي تتحدث عنها موسكو على أنها تحذيرات دبلوماسية قوية، وتأكيدات على الجاهزية العسكرية الروسية، وربما مراجعة للمفاهيم الاستراتيجية الروسية إذا ما تغيرت البيئة الأمنية بشكل جذري.
تؤكد موسكو أن الحفاظ على معاهدة الحظر الشامل والتزام جميع القوى النووية بها أمر حيوي للأمن العالمي، وأن المساس بهذا المبدأ سيؤدي إلى عواقب وخيمة لا تخدم مصالح أي طرف.
التداعيات على الأمن والاستقرار العالمي
إن إمكانية استئناف التجارب النووية من قبل أي قوة كبرى تحمل تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار العالمي:
- تآكل نظام ضبط التسلح: قد ينهار ما تبقى من معاهدات ضبط التسلح، بما في ذلك مصير معاهدة "نيو ستارت" التي تحد من الرؤوس الحربية والصواريخ العابرة للقارات للولايات المتحدة وروسيا.
- سباق تسلح جديد: من المرجح أن يؤدي استئناف التجارب إلى تحفيز دول أخرى، خاصة تلك التي تمتلك قدرات نووية ناشئة، لتطوير واختبار أسلحتها، مما يزيد من مخاطر الانتشار النووي.
- تدهور العلاقات الدولية: ستتفاقم التوترات بين القوى العظمى، وتتأثر قضايا التعاون الأخرى بشكل سلبي.
- مخاطر بيئية وصحية: على الرغم من أن التجارب الحديثة قد تكون أقل تأثيرًا، إلا أن أي تفجير نووي يحمل مخاطر بيئية وصحية طويلة الأمد.
في الختام، تعكس تصريحات موسكو الحاجة الملحة للحفاظ على الاتفاقيات الدولية التي تحكم استخدام وتطوير الأسلحة النووية. إن إرسال هذه "الإشارات الإضافية" هو محاولة لدرء سيناريو قد يقوض عقودًا من جهود نزع السلاح ويغرق العالم في عصر جديد من عدم اليقين النووي.





