خامنئي يرهن أي تعاون مع واشنطن بتخليها عن دعم إسرائيل
أكد المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في تصريحات حديثة أن الجمهورية الإسلامية لن تنخرط في أي شكل من أشكال التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية ما دامت واشنطن مستمرة في سياستها القائمة على الدعم غير المحدود لإسرائيل. وجاء هذا الموقف ليقطع الطريق أمام أي تكهنات بحدوث تقارب استراتيجي بين البلدين، معيداً تأكيد الثوابت الأساسية للسياسة الخارجية الإيرانية منذ عقود.

جوهر الموقف الإيراني وشروطه
أوضح خامنئي أن المشكلة بالنسبة لطهران لا تكمن في مبدأ الحوار بحد ذاته، بل في أجندة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، والتي ترى إيران أنها تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتكريس الهيمنة الأجنبية. وفي قلب هذه الأجندة، بحسب الرؤية الإيرانية، يقع التحالف الاستراتيجي الراسخ بين واشنطن وتل أبيب. وشدد على أن أي تعاون مستقبلي لن يكون ممكناً إلا إذا حدث تغيير جوهري في هذا النهج الأمريكي.
وتعتبر طهران أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يقتصر على جانب واحد، بل يشمل أبعاداً متعددة ترى فيها تهديداً مباشراً لأمنها القومي ومصالح حلفائها في المنطقة. وتشمل أبرز أشكال هذا الدعم من وجهة النظر الإيرانية ما يلي:
- الدعم العسكري والتقني: تزويد إسرائيل بأحدث منظومات الأسلحة والمساعدات المالية العسكرية السنوية التي تضمن تفوقها النوعي في المنطقة.
 - الحماية الدبلوماسية: استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لحماية إسرائيل من أي قرارات تدين سياساتها، وتوفير غطاء سياسي لأفعالها على الساحة الدولية.
 - التعاون الاستخباراتي: التنسيق الأمني والاستخباراتي الوثيق لمواجهة ما تسميه إيران "محور المقاومة"، والذي يضم حلفاءها في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق.
 
السياق الإقليمي والدولي
تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط توترات متصاعدة، بالتزامن مع جمود المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. ويرى مراقبون أن رسالة خامنئي موجهة إلى الداخل الإيراني لتوحيد الصفوف خلف القيادة، وإلى الخارج لتحديد الخطوط الحمراء لأي مفاوضات محتملة. فمن خلال ربط التعاون بملف إسرائيل، ترفع إيران سقف مطالبها وتضع شرطاً تدرك أنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على أي إدارة أمريكية قبوله.
تاريخياً، يُعد العداء للولايات المتحدة وإسرائيل من الركائز الأساسية لأيديولوجية الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها عام 1979. وقد ظلت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين طهران وواشنطن لأكثر من أربعة عقود، مما جعل أي تواصل بينهما يقتصر على قنوات غير مباشرة أو مفاوضات محددة الهدف، مثل تلك التي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة لاحقاً عام 2018.
التداعيات المحتملة على مستقبل العلاقات
يعتبر هذا الموقف بمثابة تأكيد على استمرار حالة انعدام الثقة العميقة بين البلدين. فبالنسبة للولايات المتحدة، يعد أمن إسرائيل التزاماً استراتيجياً راسخاً تدعمه أغلبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مما يجعل شرط خامنئي غير واقعي من المنظور السياسي الأمريكي. وبالتالي، فإن تصريحاته تكرس واقع القطيعة وتستبعد إمكانية حدوث انفراجة شاملة في العلاقات على المدى المنظور.
على الصعيد الإقليمي، من المرجح أن يُنظر إلى هذا الخطاب كتحدٍ مباشر لجهود تحقيق الاستقرار التي تشارك فيها بعض الدول العربية. كما أنه يبعث برسالة واضحة لإسرائيل بأن السياسة الإيرانية تجاهها لن تتغير، وأن طهران ستستمر في دعم الجماعات المناهضة لها في المنطقة. ومن شأن هذا الموقف أن يعزز من حالة الاستقطاب الإقليمي ويزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى نزع فتيل الأزمات المتعددة في الشرق الأوسط.





