موسكو تدخل على خط الأزمة الفنزويلية: تحليل للموقف الروسي من الضغوط الأمريكية
خلفية التحالف الاستراتيجي
ترتبط روسيا وفنزويلا بعلاقات استراتيجية عميقة تعود إلى عهد الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، وتعمقت في ظل حكم خلفه نيكولاس مادورو. لا تقتصر هذه العلاقات على الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، بل تمتد لتشمل جوانب اقتصادية وعسكرية حيوية. اقتصاديًا، قدمت موسكو قروضًا بمليارات الدولارات لكاراكاس، واستثمرت بكثافة في قطاع النفط الفنزويلي، الذي يعد عصب اقتصاد البلاد. أما عسكريًا، فتعد فنزويلا أحد أكبر مستوردي الأسلحة الروسية في أمريكا اللاتينية، حيث شملت الصفقات طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي متطورة، بالإضافة إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة بشكل دوري، وهو ما تعتبره واشنطن تهديدًا لاستقرار المنطقة.

في المقابل، تفرض الولايات المتحدة، إلى جانب عشرات الدول الغربية، عقوبات اقتصادية صارمة على حكومة مادورو، التي لا تعترف بشرعيتها وتدعم زعيم المعارضة خوان غوايدو. وقد أدت هذه العقوبات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في فنزويلا، وزادت من عزلتها الدولية، ما دفع كاراكاس إلى تعزيز اعتمادها على حلفاء مثل روسيا والصين وإيران.
تصاعد التوتر في البحر الكاريبي
شهدت المنطقة تصعيدًا ملحوظًا في التوتر، خاصة بعد إعلان الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة دونالد ترامب عن إطلاق عملية واسعة النطاق لمكافحة المخدرات في البحر الكاريبي. تم نشر بوارج حربية ومدمرات وطائرات استطلاع أمريكية بالقرب من السواحل الفنزويلية. ورغم أن واشنطن بررت هذه الخطوة بأنها تهدف إلى منع "الكارتلات الفاسدة من استغلال جائحة كورونا"، إلا أن حكومة فنزويلا اعتبرتها استفزازًا مباشرًا وتهديدًا بفرض حصار بحري أو تمهيدًا لعمل عسكري ضدها.
جاءت هذه التحركات في سياق سياسي مشحون، حيث وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات لنيكولاس مادورو ومسؤولين كبار في حكومته بـ "الإرهاب المخدراتي"، وعرضت مكافآت مالية ضخمة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقالهم. وقد فُسرت هذه الإجراءات على أنها جزء من حملة "الضغط الأقصى" التي تنتهجها واشنطن لإجبار مادورو على التنحي عن السلطة.
رد الفعل الروسي الحازم
لم تتأخر روسيا في الرد على التحركات الأمريكية، حيث جاء موقفها حازمًا ومنددًا. أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانات قوية وصفت فيها الإجراءات الأمريكية بأنها "غير قانونية" وتنتهك سيادة فنزويلا والقانون الدولي. وأكدت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، في تصريحات صدرت حينها، أن موسكو ترفض بشكل قاطع أي محاولات للتدخل العسكري في شؤون دولة ذات سيادة، محذرة من العواقب الوخيمة لمثل هذه المغامرات.
على المستوى الدبلوماسي، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على أن الأزمة في فنزويلا يجب أن تُحل عبر الحوار الشامل بين الفنزويليين أنفسهم دون أي ضغوط أو إملاءات خارجية. كما قامت موسكو بتنسيق مواقفها مع حلفاء آخرين لفنزويلا، مثل الصين، للدعوة إلى رفع العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، خاصة في ظل التحديات التي فرضتها جائحة فيروس كورونا.
الأبعاد الجيوسياسية للصراع
يعكس الموقف الروسي من الأزمة الفنزويلية أبعادًا جيوسياسية أعمق تتعلق بصراع النفوذ العالمي بين موسكو وواشنطن. فمن منظور روسي، يمثل دعم نظام مادورو فرصة استراتيجية لـ:
- تحدي الهيمنة الأمريكية: تعتبر روسيا أمريكا اللاتينية، التي طالما نظرت إليها واشنطن كـ "فنائها الخلفي" بموجب "مبدأ مونرو"، ساحة مهمة لتأكيد حضورها كقوة عالمية قادرة على تحدي النفوذ الأمريكي.
 - حماية الاستثمارات: لدى روسيا استثمارات اقتصادية وعسكرية كبيرة في فنزويلا، وأي تغيير في النظام قد يهدد هذه المصالح بشكل مباشر.
 - إظهار الولاء للحلفاء: من خلال دعمها الثابت لمادورو، ترسل موسكو رسالة إلى حلفائها حول العالم بأنها شريك يمكن الاعتماد عليه في وجه الضغوط الغربية، على عكس ما تراه تقلبًا في السياسة الأمريكية.
 
في المحصلة، حولت الأزمة الفنزويلية البلاد إلى إحدى أبرز نقاط التجاذب في الحرب الباردة الجديدة بين القوى الكبرى. وبينما تواصل الولايات المتحدة ضغوطها لتغيير النظام، تظل روسيا لاعبًا رئيسيًا يوفر شريان حياة اقتصاديًا ودبلوماسيًا لحكومة مادورو، مما يضمن استمرار حالة الجمود والصراع على الساحة الدولية.





