مقترح أميركي لمسلحي حماس: عفو مشروط وتسليم السلاح لجهة دولية
كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، في أواخر عام 2019، عن طرح الإدارة الأميركية آنذاك، برئاسة دونالد ترامب، لمقترح مثير للجدل يهدف إلى نزع سلاح حركة حماس في قطاع غزة. تضمن الاقتراح، الذي أفادت به القناة 12 الإسرائيلية تحديداً في نوفمبر 2019، منح عفو مشروط لمسلحي الحركة في أنفاق رفح بالقطاع، مقابل استسلامهم وتسليم أسلحتهم إلى طرف ثالث محايد. جاء هذا التقرير ليسلط الضوء على جانب من الجهود الدبلوماسية المعقدة التي كانت تبذلها واشنطن في سياق سعيها لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني حينها.

الخلفية والظروف المحيطة بالمقترح
ظهر هذا المقترح في فترة كانت تشهد فيها العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين توترات مستمرة وتصعيدات دورية، خاصة في قطاع غزة الخاضع لسيطرة حماس. كانت الإدارة الأميركية تحت قيادة ترامب تسعى لطرح ما أسمته "صفقة القرن" للسلام، وهي خطة طموحة وغير مسبوقة كانت تهدف إلى معالجة كافة القضايا الجوهرية في الصراع. وفي هذا السياق، كانت واشنطن تستكشف سبل تهدئة الأوضاع في غزة، التي تعتبر نقطة اشتعال رئيسية. كان الهدف الأساسي لأي مبادرة تتعلق بغزة هو تحقيق استقرار طويل الأمد يضمن الأمن لإسرائيل ويحسن الظروف المعيشية للفلسطينيين، مع تحدي قضية نزع سلاح الفصائل المسلحة التي تعتبرها إسرائيل تهديدًا وجوديًا.
تفاصيل الاقتراح الأميركي
وفقاً للتقارير، كان جوهر الاقتراح الأميركي يتمحور حول تقديم حزمة من الحوافز الأمنية مقابل تفكيك القدرات العسكرية لحماس. شملت البنود الرئيسية ما يلي:
- العفو المشروط: حصول مسلحي حماس الذين يسلمون أسلحتهم على عفو إسرائيلي كامل، وهو ما يعني عدم ملاحقتهم قضائياً على أنشطتهم السابقة كجزء من الحركة.
- تسليم السلاح: كان الشرط الجوهري هو تسليم كافة الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة والثقيلة وحتى تلك الموجودة في الأنفاق، إلى جهة ثالثة محايدة. لم يتم الكشف عن هوية هذه "الجهة الثالثة" بشكل دقيق في التقارير، لكنها كانت ستكون على الأرجح قوة دولية أو دولة عربية موثوقة قادرة على الإشراف على العملية وضمان نزاهتها.
- الاستسلام: كان يُفهم من المقترح أنه يتطلب نوعًا من الاستسلام للمسلحين الذين سيستفيدون من العفو، مع التخلي الكامل عن العمل المسلح.
- الموقع المستهدف: أشارت بعض التقارير إلى أن المقترح استهدف بشكل خاص المسلحين المتواجدين في أنفاق رفح، مما قد يشير إلى تركيز على مناطق معينة أو مجموعات محددة داخل الحركة.
ردود الفعل ونتائج المقترح
لم يلقَ المقترح الأميركي ترحيباً من الأطراف المعنية، بل قوبل برفض قاطع من كل من إسرائيل وحركة حماس:
- الرفض الإسرائيلي: على الرغم من أن المقترح كان يهدف ظاهرياً إلى تحقيق مصلحة أمنية إسرائيلية، إلا أن التقارير أشارت إلى أن الحكومة الإسرائيلية آنذاك رفضته. كان المنطق وراء الرفض أن تقديم العفو لحماس، حتى وإن كان مشروطاً بتسليم السلاح، قد يُنظر إليه على أنه مكافأة للإرهاب ويمنح الحركة شرعية أو اعترافاً غير مباشر، وهو ما يتعارض مع السياسة الإسرائيلية المعلنة بعدم التفاوض مع حماس أو تقديم تنازلات لها.
- الرفض الحمساوي: من جانبها، رفضت حركة حماس المقترح بشكل قاطع. اعتبرت الحركة أي دعوة لنزع سلاحها أو استسلامها بمثابة خيانة لمقاومة الشعب الفلسطيني وتضحياته. أكدت حماس باستمرار على حقها في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، ورفضت أي صيغة من شأنها أن تقوض هذه المقاومة أو تفرض شروطاً عليها.
نتيجة لذلك، لم يتقدم هذا المقترح أبدًا نحو التنفيذ، وبقي مجرد فكرة طرحتها إدارة ترامب في محاولة لإيجاد مخرج للأوضاع المتوترة في غزة ضمن رؤيتها لـ "صفقة القرن" التي لم تر النور بالكامل أيضًا.
الأهمية والسياق الأوسع
على الرغم من أن مقترح نوفمبر 2019 لم يسفر عن أي نتائج ملموسة، إلا أنه كان مهماً لعدة أسباب. أولاً، كشف عن عمق التفكير الأميركي حول كيفية التعامل مع ملف حماس المعقد في إطار رؤية السلام الأوسع. لقد أظهر استعداد واشنطن لاستكشاف خيارات غير تقليدية، حتى لو كانت مثيرة للجدل. ثانياً، أبرز المقترح التحديات الجوهرية التي تواجه أي محاولة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بقضية نزع سلاح الفصائل المسلحة. إن مفهوم العفو مقابل تسليم السلاح، على الرغم من شيوعه في سياقات صراعات أخرى، يواجه عقبات هائلة في هذا السياق بالنظر إلى المواقف المتصلبة للطرفين وعدم الثقة التاريخي بينهما. ثالثاً، عكس المقترح جزءاً من التوجه العام لإدارة ترامب في محاولة إعادة تشكيل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، بما في ذلك التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكومية.
يعتبر هذا الحدث جزءاً من سجل المحاولات الدبلوماسية العديدة التي سعت، ولا تزال تسعى، لإيجاد حلول لمشكلة غزة بشكل خاص والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل عام. إنه يؤكد على استمرارية التحدي المتمثل في الموازنة بين المطالب الأمنية الإسرائيلية وحقوق وتطلعات الفلسطينيين، وكيف أن قضايا مثل "المقاومة" و"الإرهاب" ونزع السلاح تظل نقاط خلاف رئيسية تعيق التقدم نحو سلام دائم وشامل.





