الولايات المتحدة تعرض مشروع قرار حول غزة على الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن
في مطلع عام 2020، وفي خطوة دبلوماسية مهمة، أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة شاركت مسودة مشروع قرار متعلقة بقطاع غزة مع الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. جاء هذا التحرك الأمريكي في سياق الجهود الدبلوماسية المكثفة الرامية إلى دفع ما عُرف آنذاك بـ"خطة السلام الأمريكية" أو "صفقة القرن" التي كشف عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كان الهدف من مشاركة المشروع استطلاع آراء الأعضاء غير الدائمين في المجلس وربما حشد الدعم لنهج واشنطن المقترح لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، مع التركيز بشكل خاص على الوضع في غزة.

خطة السلام الأمريكية: "صفقة القرن"
تم الكشف عن خطة الرئيس دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط، والتي أطلق عليها البيت الأبيض اسم "الرؤية من أجل السلام"، في يناير 2020. وقد وصفتها إدارة ترامب بأنها "حل واقعي" للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني المستمر منذ عقود. تضمنت الخطة مقترحات سياسية واقتصادية واسعة النطاق، وشملت رؤية للدولة الفلسطينية المستقبلية وعاصمتها في أجزاء من القدس الشرقية، مع الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل. بالنسبة لقطاع غزة، ركزت الخطة على إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية وتخفيف الحصار، ولكنها ربطت ذلك بشكل وثيق بنزع سلاح الفصائل الفلسطينية.
لاقت الخطة رفضاً قاطعاً من القيادة الفلسطينية، التي اعتبرتها منحازة تماماً لإسرائيل وتنتهك القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة السابقة. رأت الفصائل الفلسطينية أنها لا تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين. أما على الصعيد الدولي، فقد انقسمت ردود الفعل؛ حيث أعربت بعض الدول العربية عن دعمها المشروط أو تفهمها، بينما انتقدتها أغلب الدول الأوروبية والعديد من الهيئات الدولية لعدم مراعاتها مبدأ حل الدولتين على حدود عام 1967.
دور مجلس الأمن الدولي وموقف الولايات المتحدة
يعد مجلس الأمن الدولي الهيئة الرئيسية في الأمم المتحدة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين. يتألف المجلس من خمسة أعضاء دائمين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) – الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا، والمملكة المتحدة – وعشرة أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لمدة عامين. سعي الولايات المتحدة لمشاركة مسودة مشروع قرار مع الأعضاء المنتخبين يعكس محاولة لاختبار مدى قبول رؤيتها للسلام ضمن الأوساط الدبلوماسية الأوسع قبل أي طرح رسمي محتمل على المجلس بأكمله.
لطالما كانت الولايات المتحدة لاعباً محورياً في جهود السلام بالشرق الأوسط، وفي كثير من الأحيان استخدمت حق النقض لعرقلة قرارات مجلس الأمن التي اعتبرتها غير متوازنة أو معادية لإسرائيل. ومع ذلك، فإن مبادرتها بتقديم مشروع قرار يعكس رغبتها في استخدام المنبر الأممي لإضفاء شرعية دولية على خطتها أو على الأقل لجس نبض المجتمع الدولي حولها. التركيز على غزة في المشروع كان مهماً نظراً للوضع الإنساني والأمني الهش في القطاع، والذي يعد نقطة خلاف رئيسية في أي تسوية سلمية شاملة.
المسودة المقترحة: أهدافها المحتملة
على الرغم من عدم الكشف العلني عن التفاصيل الكاملة لمشروع القرار الذي شاركته الولايات المتحدة، إلا أنه كان من المتوقع أن يرمي إلى دعم الأطر العامة لخطة ترامب للسلام، أو على الأقل أجزاء منها تتعلق بالوضع الإنساني والأمني في غزة. يمكن أن يكون المشروع قد تضمن دعوات إلى:
- وقف الأعمال العدائية في قطاع غزة وتعزيز التهدئة.
- تقديم الدعم الاقتصادي والإنساني لإعادة إعمار القطاع.
- إعادة التأكيد على أهمية الحل التفاوضي للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
- ربما الإشارة إلى الحاجة إلى إصلاحات أمنية في غزة.
كانت واشنطن تأمل على الأرجح في الحصول على دعم من الدول الأعضاء غير الدائمة، والتي غالباً ما تكون أكثر انفتاحاً على الحلول الوسط أو تمثل وجهات نظر إقليمية متنوعة، قبل مواجهة تحدي الحصول على توافق بين الأعضاء الدائمين، لا سيما مع وجود معارضة متوقعة من روسيا والصين على أي مشروع يعتبر منحازاً.
التحديات والردود المتوقعة
واجهت محاولة الولايات المتحدة لإشراك الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن تحديات كبيرة. كان الموقف الفلسطيني الرافض بشدة لخطة ترامب يعني أن أي مشروع قرار يستند إليها سيواجه معارضة قوية من الدول العربية والإسلامية في المجلس، وكذلك من بعض الدول الأوروبية التي تلتزم بحل الدولتين على أساس حدود 1967. كانت الدول العربية، مثل تونس التي كانت عضواً غير دائم آنذاك، قد أبدت نيتها في تقديم مشروع قرار مضاد يعكس الموقف الفلسطيني.
كما أن إسرائيل، على الرغم من دعمها العام لخطة ترامب، كان لديها تحفظات خاصة حول بعض جوانبها، لا سيما تلك المتعلقة بالدولة الفلسطينية أو التنازلات الأمنية. وفي ظل هذه الانقسامات، كان من غير المرجح أن يحظى مشروع القرار الأمريكي بقبول واسع، وربما كان مصيره الفشل أو الاضطرار إلى تعديلات جذرية تفقد الخطة الأمريكية جوهرها.
أهمية هذه الخطوة الدبلوماسية
تكتسب خطوة الولايات المتحدة بمشاركة مشروع قرار حول غزة أهمية كبيرة لعدة أسباب. أولاً، إنها تسلط الضوء على استراتيجية واشنطن في استخدام مجلس الأمن كمنصة لدفع أجندتها في الشرق الأوسط، حتى لو كانت تلك الأجندة محل خلاف واسع. ثانياً، تعكس محاولة لإضفاء شرعية دولية على خطة السلام الأمريكية التي واجهت انتقادات شديدة من جزء كبير من المجتمع الدولي. ثالثاً، تؤكد على أن وضع غزة لا يزال يمثل نقطة محورية وحساسة في أي محاولة لحل الصراع الأوسع.
في النهاية، أظهرت هذه المبادرة مدى تعقيد الديناميكيات الدبلوماسية حول الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وصعوبة تحقيق إجماع دولي حول أي مقترح سلام لا يحظى بقبول الأطراف الرئيسية، وخاصة الفلسطينيين. كانت هذه الخطوة بمثابة مقياس لمدى الدعم الدولي الذي يمكن أن تحظى به خطة ترامب في محافل الأمم المتحدة، ومهدت الطريق لبعض المناورات الدبلوماسية اللاحقة حول هذه القضية.



