مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لدعم خطة ترامب للسلام حول غزة
في أوائل عام 2020، سعت الولايات المتحدة الأميركية، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلى حشد الدعم الدولي لخطتها للسلام في الشرق الأوسط، والتي أُطلق عليها اسم "صفقة القرن". وفي خطوة دبلوماسية مهمة، قدمت واشنطن مشروع قرار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بهدف إضفاء الشرعية على هذه الخطة والحصول على تأييد دولي لها، لا سيما فيما يتعلق بالمقترحات الخاصة بقطاع غزة. وقد جاءت هذه المبادرة في ظل جدل إقليمي ودولي واسع حول طبيعة الخطة وتداعياتها المحتملة على مستقبل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
خطة ترامب للسلام: "صفقة القرن"
أزيح الستار عن "خطة ترامب للسلام"، المعروفة أيضاً بـ "صفقة القرن"، في أواخر يناير 2020، وقدمت كإطار شامل لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقد أثارت هذه الخطة جدلاً واسعاً منذ اللحظة الأولى لإعلانها، حيث ارتكزت على رؤية اعتبرها الكثيرون منحازة بشدة لإسرائيل وتتناقض مع قرارات الشرعية الدولية والمبادئ المتفق عليها للسلام. ومن أبرز ملامح الخطة التي أثارت اعتراضات:
- القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل: نصت الخطة على أن تبقى القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، مع إمكانية إقامة عاصمة فلسطينية في أطراف المدينة أو بلداتها الشرقية.
- المستوطنات الإسرائيلية: دعت إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على معظم المستوطنات القائمة في الضفة الغربية.
- الدولة الفلسطينية: اقترحت إقامة دولة فلسطينية على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، لكن بسيادة محدودة وخاضعة لشروط أمنية إسرائيلية صارمة، ودون الحق في تشكيل جيش.
- قطاع غزة: تناولت الخطة وضع غزة بشكل خاص، حيث ركزت على تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية في القطاع من خلال استثمارات ومشاريع تنموية، شريطة نزع سلاح حركة حماس والجماعات الأخرى. كما اقترحت ربط غزة بضفتها الغربية عبر ممرات آمنة وتوفير منفذ بحري، لكن تحت رقابة أمنية إسرائيلية.
- اللاجئون الفلسطينيون: رفضت الخطة حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، واقترحت تعويضهم وإعادة توطينهم في بلدان أخرى.
منذ الإعلان عنها، رفضت القيادة الفلسطينية الخطة بشكل قاطع، واصفة إياها بأنها تصفية للقضية الفلسطينية وتتجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن
عقب إطلاق الخطة، عملت الإدارة الأميركية على تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي، الهيئة الأكثر نفوذاً في الأمم المتحدة، وذلك لدفع المجتمع الدولي نحو تبني رؤيتها للسلام. كان الهدف الأساسي من هذا المشروع هو:
- إضفاء الشرعية الدولية على "خطة ترامب للسلام" التي واجهت رفضاً واسعاً.
- الضغط على الدول الأعضاء، وخاصة الأوروبية والعربية، لقبول الإطار الذي وضعته واشنطن كقاعدة للتفاوض المستقبلي.
- تأمين دعم دولي للمقترحات الخاصة بقطاع غزة، والتي تضمنتها الخطة، بهدف التخفيف من الأزمة الإنسانية في القطاع، مع التأكيد على الجوانب الأمنية الإسرائيلية.
كانت مسودة القرار الأميركي تتوقع أن تعكس مبادئ الخطة نفسها، داعية إلى دعم تطبيقها والالتزام ببنودها كطريق لتحقيق السلام المستدام في المنطقة.
ردود الفعل ومصير القرار
واجه مشروع القرار الأميركي ردود فعل دولية متباينة، لكن الرفض كان غالباً:
- الجانب الفلسطيني: رفضت القيادة الفلسطينية وممثلوها بشكل مطلق أي محاولة لتمرير الخطة عبر مجلس الأمن، واعتبروها محاولة لفرض حل لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني. ودعوا المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد هذه المبادرة.
- الدول العربية: رغم تباين مواقف بعض الدول العربية من الولايات المتحدة، إلا أن معظمها أعلنت رفضها للمقترحات التي تتعارض مع حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، خاصة فيما يتعلق بوضع القدس وحق العودة.
- الاتحاد الأوروبي: عبرت العديد من الدول الأوروبية عن تحفظاتها على الخطة، مؤكدة تمسكها بحل الدولتين على أساس حدود 1967 والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع بنود "صفقة القرن".
- أعضاء مجلس الأمن: واجهت الولايات المتحدة معارضة قوية داخل مجلس الأمن نفسه، حيث كان من المتوقع أن تواجه الصين وروسيا ودول أخرى دائمة العضوية ودول غير دائمة العضوية اعتراضات كبيرة، وقد تؤول إلى استخدام حق النقض (الفيتو).
نتيجة لهذه المعارضة الدولية الواسعة، أدركت الإدارة الأميركية أن مشروع قرارها لن يحصل على الدعم الكافي، بل قد يواجه هزيمة دبلوماسية. وعليه، لم يتم طرح مشروع القرار للتصويت في مجلس الأمن، وتم سحبه فعلياً قبل أن يرى النور رسمياً.
السياق الأوسع والتداعيات
محاولة الولايات المتحدة لدعم خطة ترامب للسلام في مجلس الأمن سلطت الضوء على الانقسامات العميقة داخل المجتمع الدولي بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما أنها عكست تحولاً في السياسة الأميركية تحت إدارة ترامب، التي ابتعدت عن الإجماع الدولي السابق بشأن عملية السلام.
بالنسبة لقطاع غزة، فإن المقترحات الواردة في الخطة الأميركية ومشروع القرار المرتبط بها كانت تُنظر إليها من قبل النقاد على أنها غير واقعية، حيث لم تعالج بشكل كافٍ الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية والسياسية في القطاع. فرغم الحديث عن التنمية الاقتصادية، إلا أنها لم تلامس المطالب السياسية الأساسية المتعلقة بالسيادة وإنهاء الحصار. وقد أظهر فشل محاولة تمرير القرار حدود الدبلوماسية الأحادية، حتى من قبل قوة عظمى، في مواجهة معارضة دولية واسعة ومبادئ القانون الدولي المتجذرة. ولا تزال "صفقة القرن"، رغم عدم تحقيقها على أرض الواقع، تُعتبر وثيقة تاريخية مثيرة للجدل، ويراها الكثيرون سبباً في زيادة تهميش الفلسطينيين في أي عملية سلام ممكنة.




