بعد عقد من الاحتجاز دون محاكمة، لبنان يفرج عن هنيبال القذافي
في تطور قضائي لافت، قررت السلطات القضائية اللبنانية الإفراج عن هنيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بعد نحو تسع سنوات من توقيفه احتياطياً على ذمة التحقيق في قضية إخفاء معلومات تتعلق بمصير الإمام الشيعي اللبناني موسى الصدر ورفيقيه. وقد جاء هذا القرار مشروطاً، حيث يخضع القذافي لكفالة مالية ومنع من السفر، مما يبقيه تحت سلطة القضاء اللبناني لمتابعة التحقيقات.

خلفية الاحتجاز وقضية الإمام الصدر
بدأت فصول هذه القضية في شهر ديسمبر 2015، عندما تم توقيف هنيبال القذافي في لبنان بعد عملية استدراج من سوريا. ووجه إليه المحقق العدلي تهمة "كتم معلومات" حول قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ومرافقيه، الشيخ محمد يعقوب والصحفي عباس بدر الدين، خلال زيارة رسمية إلى ليبيا في عام 1978. وتعتبر قضية الإمام الصدر، مؤسس حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، من أكثر القضايا حساسية في الذاكرة اللبنانية، حيث يحمّل لبنان رسمياً نظام معمر القذافي مسؤولية اختفائهم.
طوال فترة احتجازه، أصر فريق الدفاع عن هنيبال على أن موكلهم كان يبلغ من العمر عامين فقط عند وقوع الحادثة، وبالتالي لا يمكن أن يمتلك أي معلومات مباشرة عنها. في المقابل، استند الادعاء إلى فرضية أنه ربما اطلع على تفاصيل القضية لاحقاً بحكم موقعه داخل دائرة الحكم في ليبيا. وقد أمضى القذافي سنواته في السجن دون أن يخضع لمحاكمة رسمية، وهو ما اعتبره محاموه احتجازاً تعسفياً ينتهك المبادئ القانونية.
أسباب قرار الإفراج وتفاصيله
أصدر المحقق العدلي في القضية، القاضي زاهر حمادة، قراراً بإخلاء سبيل القذافي لأسباب متعددة، يأتي في مقدمتها وضعه الصحي المتدهور. وكان هنيبال قد دخل في إضرابات متكررة عن الطعام احتجاجاً على استمرار توقيفه دون محاكمة، مما أثر بشكل كبير على حالته الصحية واستدعى نقله إلى المستشفى في عدة مناسبات. وقد اعتبر القاضي أن استمرار احتجازه لم يعد ضرورياً لمصلحة التحقيق، خاصة في ظل عدم ظهور أدلة جديدة تدينه بشكل مباشر.
ومع ذلك، لم يكن الإفراج مطلقاً، بل جاء ضمن شروط واضحة تشمل:
- دفع كفالة مالية ضخمة كضمانة لحضوره جلسات التحقيق المستقبلية.
- فرض حظر على مغادرته الأراضي اللبنانية.
- تعهده بالمثول أمام القضاء عند استدعائه لاستكمال التحقيقات.
هذه الشروط تضمن بقاء هنيبال القذافي ضمن النطاق القضائي اللبناني، مما يسمح بمواصلة البحث عن أي معلومات قد يمتلكها بشأن القضية المحورية.
الأهمية والتداعيات المحتملة
يحمل قرار الإفراج عن هنيبال القذافي دلالات سياسية وقضائية هامة. فمن ناحية، يمثل خطوة قد تنهي جدلاً حقوقياً حول شرعية احتجازه المطول دون محاكمة، وهو ما قد يلقى ترحيباً من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، يثير القرار تساؤلات حول مستقبل التحقيقات في قضية اختفاء الإمام الصدر، حيث كان القذافي يمثل ورقة الضغط الوحيدة التي يمتلكها لبنان من عائلة الحاكم الليبي السابق.
وقد قوبل القرار بردود فعل متباينة. فبينما يرى فريق الدفاع أنه انتصار للعدالة وتصحيح لمسار قانوني خاطئ، من المتوقع أن يثير استياءً لدى عائلات المختفين والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وحركة أمل، الذين كانوا يأملون أن يؤدي احتجازه إلى كشف الحقيقة الكاملة وراء مصير الإمام ورفيقيه. ويبقى مستقبل القضية مفتوحاً على كافة الاحتمالات، في ظل غياب أي تقدم ملموس على مدى العقود الماضية.





