تأهب إسرائيلي لمواجهة تصعيد محتمل مع حزب الله
كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية، أبرزها ما أوردته القناة 12 التلفزيونية مؤخراً، أن إسرائيل في حالة تأهب قصوى ومستمرة تحسباً لاحتمال تصعيد عسكري مع جماعة حزب الله اللبنانية في الأيام المقبلة. يأتي هذا التأهب في سياق إقليمي متوتر للغاية، يشهده الشرق الأوسط منذ اندلاع النزاع في قطاع غزة، ويُعكس في المناوشات الحدودية شبه اليومية بين إسرائيل وحزب الله على طول الحدود الشمالية.

السياق التاريخي والتوترات المستمرة
يمثل التوتر بين إسرائيل وحزب الله جزءاً أساسياً من المشهد الجيوسياسي للمنطقة لعقود. تأسس حزب الله في أوائل الثمانينيات في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتطور ليصبح قوة عسكرية وسياسية رئيسية داخل لبنان. خاض الطرفان عدة جولات من الصراع، أبرزها الحرب المدمرة عام 2006، والتي أسفرت عن خسائر كبيرة من الجانبين وشكلت نقطة تحول في طبيعة الردع المتبادل. تمتلك الجماعة ترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف، مما يجعلها تهديداً استراتيجياً كبيراً لإسرائيل.
تتعقد هذه العلاقة العدائية بفعل الدور الإيراني في دعم حزب الله، مما يجعله ذراعاً لطهران في المنطقة. تسعى إسرائيل باستمرار إلى تقويض قدرات الجماعة ومنعها من تعزيز ترسانتها، لا سيما الصواريخ الدقيقة والأسلحة المتطورة، وهو ما يؤدي إلى عمليات عسكرية متقطعة و"حرب الظل" في سوريا وأماكن أخرى.
التطورات الأخيرة ومؤشرات التأهب
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، تصاعدت حدة الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بشكل ملحوظ. لم تعد هذه الاشتباكات مجرد حوادث عابرة، بل باتت جزءاً من روتين يومي يشمل تبادلاً لإطلاق النار، وهجمات بالطائرات المسيرة، وصواريخ موجهة مضادة للدروع، وردود إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع تابعة لحزب الله وبنى تحتية في جنوب لبنان.
- تصعيد الهجمات: نفذ حزب الله مئات الهجمات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية ومواقع حدودية، مشيراً إلى أن هذه العمليات تأتي دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزة.
- الرد الإسرائيلي: ردت إسرائيل بضربات جوية ومدفعية مكثفة، مستهدفة مواقع إطلاق الصواريخ، ومخازن الأسلحة، ومقار قيادة، وعناصر تابعة لحزب الله.
- إخلاء الحدود: قامت إسرائيل بإخلاء عشرات البلدات والقرى على طول حدودها الشمالية، ونقل آلاف السكان إلى مناطق أكثر أماناً، في خطوة تعكس جدية التهديد وتوقع تصعيد محتمل.
- جاهزية عسكرية: عزز الجيش الإسرائيلي تواجده على الحدود، ونشر المزيد من القوات والبطاريات الدفاعية، وأجرى تدريبات مكثفة تحاكي سيناريوهات متعددة للغزو البري أو الهجمات الصاروخية واسعة النطاق.
هذه التحركات العسكرية تُشير إلى أن إسرائيل لا تستبعد خيار توسيع العملية العسكرية إلى لبنان إذا رأت أن ذلك ضروري لإبعاد تهديد حزب الله عن حدودها الشمالية بشكل دائم، أو لإعادة السكان إلى منازلهم بأمان. في المقابل، يواصل حزب الله إظهار قدرته على الرد، مع تأكيد قياداته أنهم مستعدون لأي مواجهة.
الأهمية والتداعيات المحتملة
تكتسب هذه التطورات أهمية قصوى نظراً لما تحمله من تداعيات كارثية محتملة على المنطقة بأسرها. إن حرباً شاملة بين إسرائيل وحزب الله ستكون أكثر تدميراً بكثير من الصراعات السابقة، ليس فقط بسبب الترسانة الأكبر والأكثر تطوراً لدى الطرفين، بل وأيضاً بسبب السياق الإقليمي المعقد الذي يمكن أن يجر أطرافاً أخرى إلى الصراع.
- أزمة إنسانية: سيؤدي أي تصعيد كبير إلى موجات نزوح هائلة من المدنيين، وتدمير للبنى التحتية، وخسائر بشرية فادحة في كل من لبنان وإسرائيل.
- تأثير اقتصادي: ستكون التكاليف الاقتصادية باهظة، مع تعطيل التجارة، وتضرر القطاعات الحيوية، وتعميق الأزمات المالية في لبنان وإسرائيل.
- زعزعة الاستقرار الإقليمي: قد تتحول المنطقة بأكملها إلى ساحة صراع أوسع، مما يهدد الأمن الدولي ويزيد من تعقيدات الأوضاع في سوريا والعراق واليمن.
- الضغط على المجتمع الدولي: سيتعين على القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بذل جهود دبلوماسية مكثفة لاحتواء الصراع ومنع انتشاره، وهو ما قد يكون صعباً في ظل الانقسامات الحالية.
وقد كثفت الولايات المتحدة وفرنسا، وغيرهما من الدول، جهودها الدبلوماسية لمنع التصعيد، ودعت إلى تطبيق كامل لقرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أنهى حرب 2006، والذي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح جنوب نهر الليطاني. ومع ذلك، لا تزال هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة في ظل عدم التوافق بين الأطراف المعنية.
خاتمة
تبقى الأوضاع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في غاية الحساسية، مع ترقب دائم لأي شرارة قد تشعل فتيل مواجهة واسعة النطاق. بينما تستعد إسرائيل لجميع السيناريوهات المحتملة، يواصل حزب الله إظهار استعداده للرد، مما يجعل الحفاظ على الهدوء في المنطقة تحدياً كبيراً يتطلب حكمة وضبط نفس من جميع الأطراف، وجهوداً دولية حثيثة لتجنب كارثة وشيكة.





