تحذير وارن بافيت من الذهب: لماذا يرى المستثمر الأسطوري أنه «كتلة غير منتجة»؟
في الوقت الذي يواصل فيه الذهب تحقيق مستويات قياسية ويجذب اهتمام المستثمرين حول العالم كملاذ آمن، يظل صوت المستثمر الأسطوري وارن بافيت حاضراً ليقدم وجهة نظر مغايرة تماماً. فعلى مدار عقود، حافظ بافيت، رئيس مجلس إدارة شركة بيركشاير هاثاواي، على موقفه النقدي تجاه المعدن الأصفر، واصفاً إياه بأنه أصل غير منتج لا يمتلك قيمة جوهرية حقيقية، وهو ما يتعارض مع الأداء القوي الذي شهده الذهب مؤخراً.

فلسفة بافيت تجاه الأصول غير المنتجة
تكمن جذور معارضة وارن بافيت للاستثمار في الذهب في فلسفته الاستثمارية الأساسية التي ترتكز على شراء أصول منتجة قادرة على توليد قيمة مستمرة. من وجهة نظره، فإن الشركات تنتج سلعاً وخدمات، والأراضي الزراعية تنتج محاصيل، والعقارات تدر إيجارات، وكلها أصول تساهم في الاقتصاد وتولد تدفقات نقدية وعوائد للمستثمرين. في المقابل، يرى بافيت أن الذهب هو مجرد "كتلة" خاملة، لا تفعل شيئاً سوى الجلوس في الخزائن.
في إحدى رسائله الشهيرة للمساهمين، قدم بافيت مثالاً توضيحياً قوياً. لقد تخيل جمع كل الذهب الموجود في العالم وتشكيله في مكعب ضخم، ثم قارن قيمته السوقية بقيمة جميع الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة بالإضافة إلى قيمة عدد من كبرى الشركات الأمريكية. وخلص إلى أنه بينما سيستمر الذهب في كونه مجرد مكعب خامل، فإن الأراضي الزراعية والشركات ستستمر في إنتاج قيمة هائلة عاماً بعد عام. بالنسبة له، يعتمد الربح من الذهب فقط على إيجاد شخص آخر على استعداد لشرائه بسعر أعلى، وهي لعبة تعتمد على نفسية السوق أكثر من اعتمادها على القيمة الحقيقية.
الأداء القوي للذهب في الأسواق الحالية
على الرغم من وجهة نظر بافيت، شهد الذهب أداءً استثنائياً في الفترة الأخيرة. فخلال عام 2024، حطم المعدن النفيس أرقامه القياسية عدة مرات، متجاوزاً حاجز 2400 دولار أمريكي للأونصة. ويأتي هذا الصعود مدفوعاً بمجموعة من العوامل العالمية التي عززت من جاذبيته كأصل آمن، ومن أبرز هذه العوامل:
- الطلب من البنوك المركزية: زادت البنوك المركزية حول العالم، خاصة في الأسواق الناشئة، من وتيرة شراء الذهب لتعزيز احتياطياتها وتنويعها بعيداً عن الدولار الأمريكي.
- التوترات الجيوسياسية: أدت الصراعات والنزاعات المستمرة في مناطق مختلفة من العالم إلى زيادة حالة عدم اليقين، مما دفع المستثمرين للجوء إلى الذهب كأداة للتحوط.
- توقعات أسعار الفائدة: مع توقعات بأن البنوك المركزية الكبرى، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد تبدأ في خفض أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالذهب أقل تكلفة مقارنة بالأصول التي تدر فائدة.
- مخاوف التضخم: على الرغم من تراجع معدلات التضخم عالمياً، لا تزال المخاوف قائمة، ويعتبر الذهب تاريخياً وسيلة للحفاظ على القوة الشرائية في أوقات ارتفاع الأسعار.
التوفيق بين الرؤيتين
يبدو أن هناك تناقضاً واضحاً بين تحذيرات بافيت طويلة الأمد والأرباح الكبيرة التي حققها مستثمرو الذهب مؤخراً. ومع ذلك، فإن الخلاف لا يتعلق بالأداء قصير الأجل بقدر ما يتعلق بالوظيفة الأساسية للأصل. يقر مؤيدو الاستثمار في الذهب بأنه لا يولد أرباحاً أو توزيعات، لكنهم يؤكدون أن دوره ليس أن يكون أصلاً منتجاً، بل أن يكون مخزناً للقيمة وملاذاً آمناً في أوقات الأزمات الاقتصادية والسياسية.
من ناحية أخرى، لا يركز بافيت على تحركات الأسعار اليومية أو حتى السنوية، بل على القيمة طويلة الأجل. هو يعتقد أن الاستثمار الحقيقي يجب أن يكون في أصول تساهم في نمو الثروة من خلال الإنتاج والابتكار. وبالتالي، فإن تحذيره يظل بمثابة تذكير للمستثمرين بضرورة فهم طبيعة الأصل الذي يشترونه. ففي حين أن الذهب قد يوفر حماية مؤقتة أو مكاسب спекулятивная (مضاربية)، فإنه من منظور بافيت، لن يساهم أبداً في بناء الثروة الحقيقية بالطريقة التي تفعلها الشركات الناجحة والمشاريع المنتجة.





