ترامب في المدرجات: خرق بروتوكول رئاسي عمره نصف قرن
في يناير 2019، أثناء فترة إغلاق حكومي جزئي شهدتها الولايات المتحدة، أثار الرئيس آنذاك دونالد ترامب جدلاً بحضوره مباراة بطولة كرة القدم الجامعية الوطنية في سانتا كلارا، كاليفورنيا. لم يكن الحدث بحد ذاته هو محور الاهتمام بقدر ما كان يتعلق بأسلوب حضور الرئيس، الذي اعتبره الكثيرون خرقاً لبروتوكول رئاسي متبع منذ ما يقرب من نصف قرن.

الخلفية التاريخية للبروتوكول الرئاسي
لطالما كان حضور الرؤساء الأمريكيين للأحداث الرياضية الكبرى جزءاً من التقاليد السياسية والثقافية في البلاد، غالباً ما يعكس الوحدة الوطنية ويُظهر اهتمام القيادة بالأنشطة الشعبية. على مر العقود، تطورت مجموعة من البروتوكولات غير المكتوبة التي تحكم هذه المشاركات. عادةً ما يتم استقبال الرئيس من قبل منظمي الحدث أو كبار الشخصيات الرياضية، ويشاركون في مراسم افتتاحية، أو يقومون بتحية الجماهير من منطقة مخصصة، أو حتى يشاركون في فعاليات رمزية مثل رمي الكرة الأولى أو قرعة المباراة. هذه التقاليد تهدف إلى إضفاء طابع رسمي على الحضور الرئاسي وتأكيد مكانة المنصب، مع توفير فرصة للتفاعل المباشر مع الجمهور.
تاريخياً، ارتبط الرؤساء الأمريكيون ارتباطاً وثيقاً بالرياضة. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، أصبح من المعتاد أن يرافق الرئيس مضيفون رفيعو المستوى من الجهة المنظمة للمسابقة، سواء كان ذلك مفوضاً لدوري رياضي كبير أو رئيس هيئة رياضية وطنية مثل الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات (NCAA). يهدف هذا البروتوكول إلى ضمان سير الزيارة بسلاسة وتكريم الرئاسة والمؤسسة الرياضية على حد سواء.
تفاصيل الحادثة
خلال مباراة نهائي بطولة كرة القدم الجامعية الوطنية بين فريقي ألاباما وكليمسون في 7 يناير 2019، حضر الرئيس ترامب لمشاهدة المباراة. لكن بدلاً من الانخراط في التقاليد المعتادة، شوهد الرئيس وهو يشاهد اللقاء من جناح خاص بالمدرجات، ولم يظهر برفقة أي من كبار مسؤولي الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات أو منظمي البطولة. يُزعم أن غيابه عن المشاركة في أي مراسم افتتاحية أو تحية الجمهور بطريقة رسمية، وعدم مرافقة مضيفين له، يمثل خروجاً عن العرف السائد الذي اتبعته الرؤساء السابقون لأكثر من خمسة عقود. عادةً ما يظهر الرؤساء في الساحات العامة أو يتفاعلون مع المنظمين، مما يضيف إلى الاحتفالية ورمزية حضورهم.
- غياب المرافقة الرسمية: لم يرافق الرئيس أي من كبار مسؤولي NCAA أو مؤتمر PAC-12، خلافاً للعادة التي تفرض وجود مضيفين رسميين.
- عدم المشاركة في المراسم: لم يشارك ترامب في أي مراسم قبل المباراة، مثل قرعة العملة، وهو أمر كان يفعله بعض الرؤساء السابقين.
- الحضور من جناح خاص: فضل الرئيس مشاهدة المباراة من جناح خاص بعيداً عن الأنظار المعتادة أو التفاعل الجماهيري المباشر المتوقع.
السياق: الإغلاق الحكومي
تزامن حضور الرئيس ترامب للمباراة مع فترة إغلاق جزئي للحكومة الفيدرالية الأمريكية، الذي بدأ في 22 ديسمبر 2018 واستمر لأكثر من شهر. كان هذا الإغلاق ناتجاً عن خلافات بين الإدارة والكونغرس بشأن تمويل بناء جدار على الحدود مع المكسيك. أثر الإغلاق على مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين، حيث تم إرسالهم في إجازات غير مدفوعة الأجر أو طلب منهم العمل دون أجر. أثارت هذه الخلفية تساؤلات حول أولويات الرئيس في وقت كانت فيه قطاعات واسعة من الحكومة معطلة وتواجه الأسر الأمريكية صعوبات مالية. اعتبر البعض أن حضوره للمباراة دون الانخراط في القضايا الملحة للإغلاق يعكس انفصالاً عن الواقع الذي يعيشه المواطنون.
ردود الفعل والتداعيات
تفاوتت ردود الفعل على تصرف الرئيس ترامب. أشار العديد من المعلقين ووسائل الإعلام إلى أن تجاهل البروتوكول الرئاسي يعكس نهج ترامب العام في تحدي الأعراف والتقاليد. رأى البعض أن هذا التصرف كان مقصوداً لإرسال رسالة مفادها أنه لا يلتزم بالقيود التقليدية، بينما اعتبره آخرون مجرد تفضيل شخصي لمشاهدة المباراة بشكل غير رسمي. أثار هذا الحدث نقاشاً حول أهمية البروتوكولات في الحفاظ على هيبة منصب الرئاسة ورمزية الأحداث العامة. بينما ركز منتقدوه على التناقض بين حضور مباراة ترفيهية وبين الأزمة الحكومية المستمرة، دافع مؤيدوه عن حق الرئيس في الاستمتاع بوقته الشخصي أو اعتبروا أن هذه البروتوكولات قديمة وغير ضرورية.
في الختام، لم يكن حضور الرئيس ترامب لمباراة كرة القدم الجامعية في يناير 2019 مجرد حدث رياضي، بل كان انعكاساً لأسلوبه الرئاسي الذي غالباً ما تحدى التقاليد. بينما استمر الجدل حول أهمية البروتوكولات الرئاسية، سلطت الحادثة الضوء على كيفية تعامل ترامب مع منصب الرئاسة في سياق الأزمات الداخلية المستمرة، وتركت بصمة أخرى في سجله الحافل بكسر الأعراف السياسية.





