ترامب يؤكد حق إسرائيل في الرد ويعتبر حماس جزءًا من صفقة سلام أوسع
في سياق متصل بالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خلال فترة رئاسته، برزت تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي أكد فيها على ما وصفه بـ "حق إسرائيل المطلق في الرد" على الهجمات، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن حركة حماس لا تمثل سوى "جزء بسيط" ضمن معادلة أوسع لإبرام صفقة سلام إقليمية شاملة. عكست هذه التصريحات، التي تكررت في مناسبات مختلفة خلال فترة حكمه، تحولاً في المقاربة الأمريكية التقليدية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وركزت بشكل أكبر على إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.

تفاصيل المواقف والسياسات
كان جوهر موقف إدارة ترامب يتمثل في تقديم دعم غير مشروط لأمن إسرائيل. ففي كل مرة كانت تندلع فيها مواجهات عسكرية بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، كانت واشنطن تسارع إلى تأكيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مع تحميل حركة حماس مسؤولية التصعيد. وقد نظر ترامب إلى الهجمات الصاروخية المنطلقة من غزة على أنها أعمال إرهابية تستدعي رداً قوياً، وهو الموقف الذي لاقى ترحيباً كبيراً من الحكومة الإسرائيلية آنذاك بقيادة بنيامين نتنياهو.
أما فيما يتعلق بالرؤية الأوسع، فقد صرح ترامب وفريقه مراراً بأن حل القضية الفلسطينية لن يتم بمعزل عن السياق الإقليمي. وكان اعتبار حماس "جزءاً بسيطاً" من الصفقة يهدف إلى تقليل أهمية الحركة في المشهد العام، والإشارة إلى أن خطة السلام الأمريكية، التي عُرفت إعلامياً بـ "صفقة القرن"، تتجاوز حدود غزة والضفة الغربية لتمتد وتشمل دولاً عربية أخرى. كانت الفكرة الأساسية هي أن التطبيع بين إسرائيل والدول العربية سيخلق واقعاً جديداً يضعف موقف الفصائل الفلسطينية الرافضة للتسوية ويجبرها في النهاية على القبول بالحلول المطروحة.
السياق السياسي لخطة "صفقة القرن"
أتت هذه التصريحات في وقت كانت فيه الإدارة الأمريكية تعمل بجد على صياغة وتنفيذ رؤيتها للسلام في الشرق الأوسط. لم تكن هذه الرؤية مبنية على المرجعيات الدولية التقليدية أو قرارات الأمم المتحدة، بل على مقاربة وصفت بـ "الواقعية" التي تعترف بالتفوق العسكري والاقتصادي لإسرائيل كأمر واقع. وشملت هذه السياسة خطوات عملية غير مسبوقة، مثل:
- نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس عام 2018، في اعتراف أمريكي بالمدينة عاصمة لإسرائيل.
- الاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
- خفض الدعم المالي المقدم للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
كل هذه الإجراءات شكلت الأساس الذي بنيت عليه "صفقة القرن"، والتي تم الكشف عن شقها الاقتصادي ثم السياسي لاحقاً. وقد صُممت الخطة لعزل القيادة الفلسطينية وحركة حماس على حد سواء، ودفعهما نحو القبول باتفاق لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية التاريخية، خاصة فيما يتعلق بالقدس وحق العودة والسيادة الكاملة.
ردود الفعل والتحليلات الدولية
تباينت ردود الفعل بشكل حاد تجاه مواقف ترامب. ففي إسرائيل، قوبلت التصريحات بترحيب واسع من الأوساط السياسية اليمينية والوسطية، التي رأت فيها تأكيداً على عمق التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وضوءاً أخضر لمواصلة سياساتها الأمنية والعسكرية. أما على الجانب الفلسطيني، فقد أثارت هذه التصريحات غضباً واسعاً. واعتبرتها السلطة الفلسطينية في رام الله انحيازاً كاملاً لإسرائيل وتدميراً ممنهجاً لفرص حل الدولتين، بينما وصفتها حركة حماس بأنها محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتشجيع "العدوان" الإسرائيلي.
وعلى الصعيد الدولي، نظر العديد من المحللين إلى سياسة ترامب باعتبارها مقامرة عالية المخاطر. فبينما نجحت في تحقيق اختراقات دبلوماسية تمثلت في "اتفاقيات أبراهام" للتطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، إلا أنها أدت في المقابل إلى تهميش القضية الفلسطينية وزيادة عزلة الفلسطينيين. ورأى منتقدون أن هذه المقاربة، التي ترتكز على القوة والصفقات الاقتصادية، تتجاهل جذور الصراع السياسية والتاريخية، مما يجعل أي سلام يتم التوصل إليه هشاً وغير مستدام على المدى الطويل.
الأهمية والتداعيات المستمرة
تكمن أهمية تصريحات ترامب في أنها كشفت بوضوح عن تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية، من دور الوسيط (ولو اسمياً) إلى دور الحليف المنحاز لطرف على حساب الآخر. هذا التحول لم ينتهِ بانتهاء فترة رئاسته، بل ترك إرثاً سياسياً معقداً لا يزال يؤثر على ديناميكيات الصراع حتى اليوم. إن فكرة تجاوز الفلسطينيين والتركيز على التطبيع الإقليمي أصبحت جزءاً من التفكير الاستراتيجي لدى بعض صناع القرار في المنطقة، وهو ما يعقد جهود إحياء أي عملية سلام مستقبلية قائمة على الأسس التقليدية.




