ترامب يبدي استعداده للنظر في رفع العقوبات عن إيران
في خضم تصاعد التوترات بين واشنطن وطهران خلال عام 2019، أشار الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب إلى انفتاحه المشروط على إمكانية بحث طلب إيراني لرفع العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها إدارته. جاءت هذه التصريحات في فترة حرجة، عكست الديناميكيات المعقدة للسياسة الخارجية الأميركية القائمة على ممارسة أقصى درجات الضغط، مع ترك نافذة ضيقة ومحتملة للدبلوماسية.

خلفية سياسة "الضغط الأقصى"
لفهم سياق تصريحات ترامب، لا بد من العودة إلى شهر مايو 2018، عندما أعلن الرئيس الأميركي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، والذي تم توقيعه في عام 2015. وصفت إدارة ترامب الاتفاق بأنه "كارثي" و"غير كافٍ" لكبح طموحات إيران النووية وبرنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي. عقب الانسحاب، شرعت واشنطن في إعادة فرض وتوسيع العقوبات التي كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق، مستهدفة بشكل أساسي القطاعات الحيوية للاقتصاد الإيراني.
شملت هذه الحملة، التي أُطلق عليها اسم "الضغط الأقصى"، ما يلي:
- فرض حظر شبه كامل على صادرات النفط الإيرانية، التي تشكل المصدر الرئيسي لعائدات الدولة.
- عزل القطاع المصرفي الإيراني عن النظام المالي العالمي.
- فرض عقوبات على شخصيات وكيانات إيرانية بارزة، بما في ذلك المرشد الأعلى ومسؤولون في الحرس الثوري.
كان الهدف المعلن لهذه السياسة هو إجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق جديد وأكثر شمولاً يعالج مخاوف واشنطن. لكن على أرض الواقع، أدت هذه السياسة إلى تدهور حاد في الاقتصاد الإيراني وتصعيد كبير في التوترات الإقليمية، خاصة في مياه الخليج.
تصريحات متضاربة ومواقف متباينة
في سبتمبر 2019، وفي أعقاب هجمات استهدفت منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في السعودية، والتي حملت واشنطن إيران مسؤوليتها، بدت المنطقة على شفا مواجهة عسكرية. وسط هذا المناخ المشحون، صرح ترامب للصحفيين بأن إيران "ترغب بشدة في التوصل إلى اتفاق"، وأنه إذا طلبت طهران رفع العقوبات، فإن إدارته قد تكون منفتحة على مناقشة الأمر. لكنه أكد أن هذا الأمر يعتمد على استعداد إيران لتقديم تنازلات كبيرة.
في المقابل، كان الموقف الإيراني ثابتاً وحاسماً. أكد الرئيس الإيراني آنذاك، حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، في مناسبات عدة، أن طهران لن تشارك في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة تحت ضغط العقوبات. واعتبرت القيادة الإيرانية أن الحوار لا يمكن أن يبدأ إلا بعد عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ورفعها الكامل لجميع العقوبات التي وصفتها بـ"الإرهاب الاقتصادي". هذا التباين في المواقف خلق طريقاً مسدوداً: واشنطن أرادت المفاوضات أولاً كشرط لتخفيف العقوبات، بينما طالبت طهران برفع العقوبات أولاً كشرط لبدء المفاوضات.
دور الوساطة الأوروبية
لعبت القوى الأوروبية، وخاصة فرنسا بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون، دوراً بارزاً في محاولة نزع فتيل الأزمة. سعت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة) إلى الحفاظ عليه وإيجاد آلية لتسهيل التجارة مع إيران وتجنب انهيار الاتفاق بالكامل. بلغت هذه الجهود ذروتها خلال قمة مجموعة السبع (G7) في بياريتز بفرنسا في أغسطس 2019، حيث قام ماكرون بترتيب زيارة مفاجئة لوزير الخارجية الإيراني ظريف، في محاولة لفتح قناة حوار مباشرة أو غير مباشرة مع الإدارة الأميركية. وعلى الرغم من أن الزيارة لم تحقق اختراقاً، إلا أنها سلطت الضوء على وجود رغبة دولية في تجنب الصدام العسكري.
الأهمية والتداعيات
مثلت تصريحات ترامب حول استعداده المحتمل للنظر في رفع العقوبات لحظة مهمة، حيث اعتبرها بعض المحللين تلميحاً إلى أن سياسة "الضغط الأقصى" وحدها قد لا تحقق أهدافها، وأن الباب لم يغلق تماماً أمام الدبلوماسية. ومع ذلك، بالنسبة لآخرين، لم تكن هذه التصريحات أكثر من مناورة تكتيكية تهدف إلى إظهار الولايات المتحدة بمظهر الطرف المستعد للحوار، مع إلقاء اللوم على إيران في حالة فشل أي جهود دبلوماسية. في نهاية المطاف، لم تسفر هذه التصريحات عن أي تغيير ملموس في السياسة الأميركية، واستمرت العقوبات والتوترات في التصاعد، وبلغت ذروتها في أوائل عام 2020 مع اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية في بغداد. وبالتالي، بقيت هذه الفترة فصلاً رئيسياً في تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية، تميزت بحرب اقتصادية شرسة ومواجهة غير مباشرة كادت أن تتحول إلى صراع مفتوح.




