مباحثات أمريكية سورية رفيعة المستوى: الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض
في تطور سياسي لافت، استضاف البيت الأبيض هذا الأسبوع محادثات مباشرة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقائد هيئة تحرير الشام ورئيس الإدارة السورية الانتقالية، أحمد الشرع. يمثل هذا اللقاء، الذي يأتي بعد فترة وجيزة من التغيرات الجذرية التي شهدتها دمشق، تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، ويفتح الباب أمام نقاش واسع حول مستقبل البلاد وموازين القوى في منطقة الشرق الأوسط.

خلفية الحدث
يأتي هذا الاجتماع في أعقاب الانهيار السريع لنظام بشار الأسد وسيطرة قوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام على العاصمة دمشق. وخلال الأيام التي تلت ذلك، أعلن أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ "أبو محمد الجولاني"، عن تشكيل إدارة انتقالية تهدف إلى تحقيق الاستقرار وبدء مرحلة جديدة في تاريخ سوريا. وقد تعامل المجتمع الدولي بحذر مع هذه التطورات، حيث توازن الدول الكبرى بين واقع السلطة الجديدة على الأرض والتصنيفات السابقة التي كانت مفروضة على فصائل المعارضة. وتعتبر دعوة الشرع إلى واشنطن بمثابة اعتراف أمريكي ضمني بالأمر الواقع، ورغبة في التأثير على مسار المرحلة الانتقالية لضمان تحقيق المصالح الأمريكية والإقليمية.
تفاصيل المباحثات وأبرز الملفات
أفادت مصادر مطلعة أن المحادثات بين ترامب والشرع تناولت مجموعة من القضايا المحورية التي سترسم ملامح العلاقة المستقبلية بين البلدين. وتركز النقاش بشكل أساسي على عدة محاور رئيسية، من بينها:
- مكافحة الإرهاب: شكل هذا الملف أولوية قصوى للجانب الأمريكي. حيث سعت إدارة ترامب للحصول على ضمانات واضحة من الشرع بأن سوريا لن تتحول إلى ملاذ آمن للتنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مع التأكيد على ضرورة التعاون الاستخباراتي والأمني لمنع عودة ظهورها.
- المرحلة الانتقالية السياسية: ناقش الطرفان خارطة الطريق السياسية للمستقبل، بما في ذلك ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة تمثل جميع مكونات الشعب السوري. وأكد الجانب الأمريكي على أهمية حماية حقوق الأقليات وضمان انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة.
- النفوذ الإقليمي: تم التطرق إلى الدور الإيراني في سوريا وسبل الحد من نفوذ طهران والميليشيات التابعة لها، وهو ما يتقاطع مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. كما جرى بحث مستقبل القوات الأجنبية الأخرى، بما فيها الروسية والتركية، على الأراضي السورية.
- إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية: بحث اللقاء سبل تقديم الدعم الإنساني العاجل للشعب السوري وإمكانية مساهمة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في جهود إعادة الإعمار، وربط ذلك بمدى التزام الإدارة الجديدة في دمشق بتعهداتها السياسية والأمنية.
الأهمية والدلالات السياسية
يكتسب هذا اللقاء أهمية استثنائية كونه يمثل تغيراً جذرياً في التعاطي الدولي مع القيادة السورية الجديدة. فبعد سنوات من تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، يأتي استقبال زعيمها في البيت الأبيض كخطوة براغماتية تهدف إلى احتواء التطورات وتوجيهها بما يخدم الاستقرار الإقليمي. يرى مراقبون أن إدارة ترامب تنظر إلى الشرع كشخصية قادرة على فرض النظام ومنع الفوضى، وتفضل التعامل معه مباشرة بدلاً من ترك الساحة لقوى إقليمية أخرى. كما يشير اللقاء إلى أن واشنطن قد تكون مستعدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا تدريجياً مقابل خطوات ملموسة على أرض الواقع، مما قد يمنح الإدارة الجديدة شرعية دولية تشتد الحاجة إليها.
التحديات والآفاق المستقبلية
على الرغم من الأهمية الكبيرة للاجتماع، لا تزال الطريق أمام الإدارة السورية الجديدة محفوفة بالتحديات. فالشرع يواجه مهمة صعبة تتمثل في توحيد صفوف المعارضة، وطمأنة الأقليات، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة، وتحقيق التوازن بين القوى الإقليمية المتنافسة على النفوذ في بلاده. وستكون نتائج هذا اللقاء في واشنطن محط أنظار العالم، حيث ستحدد طبيعة الدعم أو الضغط الذي ستتعرض له سوريا في المرحلة القادمة، ومدى قدرة قيادتها الجديدة على تحويل الوعود إلى واقع ملموس يحقق الأمن والازدهار للسوريين بعد أكثر من عقد من الحرب.





