ترامب يلمح لإمكانية سعيه لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات 2028
أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مجددًا الجدل حول مستقبل الحياة السياسية في الولايات المتحدة، من خلال تلميحاته المتكررة حول إمكانية الترشح لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات عام 2028، في حال فوزه في الانتخابات المقبلة. هذه التصريحات، التي جاء أحدثها خلال تجمعات انتخابية ومقابلات صحفية، أعادت إلى الواجهة نقاشًا دستوريًا وقانونيًا حول حدود السلطة الرئاسية والقيود التي يفرضها القانون الأعلى للبلاد.

خلفية دستورية: عقبة التعديل الثاني والعشرين
يقف أمام طموحات أي رئيس أمريكي لولاية ثالثة حاجز دستوري صريح يتمثل في التعديل الثاني والعشرين للدستور الأمريكي، الذي تم التصديق عليه في عام 1951. ينص هذا التعديل بوضوح على أنه «لا يجوز انتخاب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين». وقد جاء هذا التشريع كرد فعل مباشر على سابقة الرئيس فرانكلين دي. روزفلت، الذي انتُخب لأربع ولايات متتالية، مما أثار مخاوف بشأن تركيز السلطة لفترة طويلة في يد شخص واحد. ويجمع الخبراء القانونيون والمؤرخون على أن نص التعديل قاطع ولا يترك مجالاً للتأويل، حيث يمنع أي شخص تم انتخابه مرتين من الترشح مجددًا، سواء كانت الولايتان متتاليتين أم لا.
تصريحات ترامب في سياقها السياسي
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يطرح فيها ترامب فكرة تجاوز الحد الأقصى للولايات الرئاسية. ففي مناسبات عدة خلال حملته الانتخابية الحالية لعام 2024، وأيضًا خلال فترة رئاسته، كان يلمح بشكل مباشر أو مازح إلى البقاء في السلطة إلى ما بعد الولاية الثانية. وقد جاءت أحدث هذه التلميحات خلال شهر مايو 2024 في إحدى الفعاليات العامة، حيث أشار إلى أنه قد يضطر للترشح لولاية ثالثة. يرى محللون أن هذه التصريحات تندرج ضمن استراتيجيته الإعلامية المعهودة، التي تهدف إلى إبقاء الأضواء مسلطة عليه، وإثارة حماس قاعدته الانتخابية، واستفزاز خصومه السياسيين ووسائل الإعلام.
الدوافع المحتملة وردود الفعل
تختلف التفسيرات حول الأسباب الحقيقية وراء تكرار ترامب لهذه الفكرة. فبينما يراها البعض مجرد تصريحات غير جادة تهدف إلى اختبار ردود الفعل أو السخرية من الأعراف السياسية، يعتبرها آخرون مؤشرًا مقلقًا على عدم احترامه للمؤسسات الدستورية ورغبة في تحدي القواعد الديمقراطية.
- على الصعيد السياسي: يرى معارضو ترامب في هذه التصريحات دليلاً إضافيًا على ما يصفونه بـ «ميوله الاستبدادية»، ويستخدمونها لحشد الناخبين المترددين ضده، محذرين من أن فوزه قد يشكل تهديدًا للديمقراطية الأمريكية.
- على الصعيد القانوني: يؤكد الخبراء الدستوريون بشكل شبه إجماعي أن أي محاولة للترشح لولاية ثالثة ستكون غير دستورية بشكل واضح، وسيتم الطعن فيها وإبطالها فورًا أمام المحاكم، وعلى الأرجح أمام المحكمة العليا.
- ردود فعل المؤيدين: تتراوح ردود أفعال قاعدة ترامب بين اعتبارها مزحة سياسية، أو التعبير عن دعمهم للفكرة من منطلق إيمانهم بقيادته، متجاهلين في كثير من الأحيان العائق الدستوري.
الأهمية والتداعيات المستقبلية
تكمن أهمية هذه التصريحات في كونها تتجاوز مجرد كونها زلة لسان أو مزحة عابرة. فهي تعكس حالة الاستقطاب الشديد في السياسة الأمريكية وتساهم في تآكل الثقة في الأعراف والمؤسسات القائمة. كما أنها تبقي ترامب في صلب النقاش العام، مما يضمن له تغطية إعلامية مستمرة. وفي حال فوزه في انتخابات 2024، فإن استمراره في التلميح لولاية ثالثة قد يخلق حالة من عدم اليقين السياسي ويفتح الباب أمام تحديات قانونية وسياسية غير مسبوقة، حتى لو كانت نتيجتها محسومة دستوريًا.
في الختام، وعلى الرغم من أن فكرة ترشح دونالد ترامب لولاية ثالثة تصطدم بجدار دستوري صلب، إلا أن مجرد طرحها يخدم أهدافه السياسية قصيرة المدى ويغذي النقاش العام حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية وحدود السلطة الرئاسية في عصر يتسم بالتوترات السياسية العميقة.




