تشير التطورات الأخيرة في إسرائيل إلى تحول ملحوظ في الرأي العام، حيث تكشف استطلاعات رأي وتحليلات سياسية عن تزايد أعداد الإسرائيليين الذين يدعون إلى إنهاء الحرب المستمرة، بالتزامن مع تصاعد الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي. يعكس هذا التحول ضغوطًا داخلية متنامية قد تؤثر بشكل كبير على مسار الصراع والسياسة الداخلية الإسرائيلية.
خلفية الصراع والتحول في الرأي العام
منذ اندلاع العمليات العسكرية في قطاع غزة في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر، حظيت الحكومة الإسرائيلية بدعم شعبي واسع للجهود الحربية. كان الهدف المعلن هو تفكيك قدرات حماس العسكرية وإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين. ومع ذلك، ومع استمرار العمليات العسكرية لفترة طويلة، وارتفاع أعداد الضحايا من الجانبين، وفشل تحقيق الأهداف المرجوة بشكل كامل، بدأت علامات الإرهاق وعدم اليقين تتجلى في المجتمع الإسرائيلي. هذا التحول ليس مفاجئًا تمامًا، إذ غالبًا ما تتغير المواقف الشعبية مع طول أمد الصراعات وتكاليفها البشرية والاقتصادية.
مطالب بوقف الحرب واتهامات لنتنياهو
تكشف الأرقام الأخيرة عن حجم هذا التحول. فوفقًا لتحليلات سياسية واستطلاعات رأي جرت في الآونة الأخيرة، يطالب ما يصل إلى 64% من الإسرائيليين بوقف فوري للحرب أو التوصل إلى تسوية تنهي القتال. هذه النسبة المرتفعة تشير إلى انقسام عميق داخل المجتمع الإسرائيلي، وتتجاوز بكثير الأصوات المعارضة التقليدية، لتعبر عن شريحة واسعة من المواطنين بمن فيهم من كانوا يؤيدون الحرب في بدايتها.
تترافق هذه المطالب المتزايدة بوقف الحرب مع اتهامات واضحة ومباشرة توجه لرئيس الوزراء نتنياهو. وتشمل هذه الاتهامات عدة جوانب رئيسية:
- سوء إدارة الأزمة الأمنية: يرى الكثيرون أن نتنياهو وحكومته فشلوا في توفير الحماية الكافية للمواطنين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر، وهي اتهامات تتجدد مع كل تقرير أو شهادة جديدة حول أحداث ذلك اليوم.
 - الفشل في ملف الأسرى: تعتبر عائلات الأسرى وعموم الجمهور أن الحكومة لم تبذل جهودًا كافية أو فعالة لإعادة المحتجزين. تتصاعد الدعوات لإبرام صفقة تبادل شاملة، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات كبيرة.
 - عدم وجود رؤية واضحة: يفتقر الكثيرون إلى رؤية استراتيجية واضحة لما بعد الحرب، وكيفية تحقيق الأمن طويل الأمد لإسرائيل، مما يثير تساؤلات حول جدوى استمرار القتال دون خطة سياسية واضحة.
 - استغلال الحرب سياسيًا: يتهم البعض نتنياهو بتأخير إنهاء الحرب لأسباب سياسية وشخصية، أبرزها سعيه للبقاء في السلطة وتجنب المحاسبة على إخفاقات سابقة، بالإضافة إلى استمرار محاكمته في قضايا فساد.
 - الانقسام الداخلي: يُلام نتنياهو على تعميق الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، خاصة بين المؤيدين والمعارضين لسياسته، وكذلك بين العلمانيين والمتدينين.
 
التداعيات المحتملة على السياسة الإسرائيلية
هذا الضغط الشعبي المتزايد، إلى جانب الاتهامات الموجهة لـ نتنياهو، يضع حكومته أمام تحديات غير مسبوقة. من المرجح أن يؤدي استمرار هذا التوجه إلى عدة تداعيات محتملة:
- زيادة الضغط لإجراء انتخابات مبكرة: قد تضطر الحكومة في نهاية المطاف إلى الدعوة لانتخابات مبكرة استجابة للغضب الشعبي وتآكل الثقة.
 - تغيير استراتيجية الحرب: قد تُجبر الحكومة على مراجعة استراتيجيتها العسكرية والسياسية، والبحث عن حلول دبلوماسية أكثر فعالية.
 - تغييرات داخل الائتلاف الحكومي: يمكن أن تؤدي هذه الضغوط إلى انشقاقات داخل الائتلاف الحاكم أو تغييرات في التشكيلة الحكومية.
 - تأثير على مكانة إسرائيل الدولية: يمكن أن يؤثر الاضطراب الداخلي والسياسات غير المستقرة على علاقات إسرائيل مع حلفائها وموقفها في الساحة الدولية.
 
باختصار، تُشير المعطيات الحالية إلى أن إسرائيل تشهد مرحلة مفصلية تتشكل فيها ملامح مستقبلها السياسي والأمني بفعل الضغوط الداخلية والخارجية، وأن مصير الحرب ومستقبل القيادة الإسرائيلية سيتأثران بشكل كبير بهذه التحولات في الرأي العام.


