تصعيد نحو بيروت: وساطة مصرية وضغوط أمريكية لكبح التهديدات الإسرائيلية
تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل، وخصوصاً العاصمة اللبنانية بيروت، تصعيداً خطيراً في التوترات مؤخراً، مع تزايد التحذيرات الإسرائيلية بشن عمليات عسكرية واسعة النطاق. هذه التهديدات دفعت الأطراف الدولية إلى التحرك بشكل عاجل، حيث تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً مكثفة على الأطراف المعنية، بينما تبذل مصر جهود وساطة حثيثة بهدف منع انفجار عسكري جديد قد تكون له تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.

خلفية التوترات المتصاعدة
تعود جذور التوترات الحالية إلى عقود من الصراع بين إسرائيل ولبنان، وبشكل خاص مع حركة حزب الله اللبنانية. فبعد اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصعيداً ملحوظاً في الاشتباكات المتقطعة. تبادل إطلاق النار المستمر بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان على جانبي الحدود، وتسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة. يرى الجانب الإسرائيلي في تواجد حزب الله المسلح على حدوده تهديداً مباشراً لأمنه، بينما يربط حزب الله عملياته بدعم المقاومة الفلسطينية في غزة، مؤكداً حق لبنان في الدفاع عن أراضيه.
التهديدات الإسرائيلية وشروطها
صعدت القيادة الإسرائيلية، العسكرية والسياسية، من لهجتها تجاه لبنان، محذرة من شن هجوم أوسع نطاقاً وعميقاً داخل الأراضي اللبنانية. وقد شملت هذه التهديدات، بحسب تقارير إعلامية وتصريحات رسمية، استهداف بنية تحتية ومواقع تابعة لحزب الله، بما في ذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تعتبر معقلاً رئيسياً للحزب. تركز المطالب الإسرائيلية بشكل أساسي على ضرورة انسحاب حزب الله من الحدود الجنوبية اللبنانية وفقاً لقرار مجلس الأمن 1701، ونزع سلاحه، أو على الأقل منع تعافيه عسكرياً وتراكم قدراته الهجومية، وذلك بهدف ضمان أمن المستوطنات الشمالية الإسرائيلية.
جهود الوساطة الدولية والضغوط الأمريكية
في مواجهة هذا التصعيد، دخلت قوى دولية وإقليمية على خط الأزمة في محاولة لتدارك السيناريو الأسوأ. تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية الجهود الدبلوماسية، حيث يمارس مسؤولون أمريكيون، أبرزهم المبعوث الخاص عاموس هوكستين، ضغوطاً مكثفة على الحكومة اللبنانية، ويجرون لقاءات مكوكية مع الأطراف المعنية. تهدف هذه الضغوط إلى حث لبنان على اتخاذ خطوات فعالة للسيطرة على الأوضاع الحدودية، وكبح جماح حزب الله، فضلاً عن السعي نحو إطار حل دبلوماسي يضمن التزام الطرفين بوقف التصعيد. كما تضغط واشنطن أيضاً على إسرائيل لضبط النفس وتجنب حرب شاملة قد تزعزع الاستقرار الإقليمي الهش.
في موازاة ذلك، برز دور الوساطة المصرية كلاعب إقليمي رئيسي. يقوم مدير المخابرات المصرية بجهود دؤوبة، تشمل زيارات إلى بيروت وتل أبيب، للقاء مسؤولين من الجانبين. تتركز المقترحات المصرية على صياغة تفاهمات تضمن خفضاً تدريجياً للتصعيد، وقد تشمل آليات لمراقبة الحدود، أو بحث سبل التزام حزب الله بمسافة معينة عن خط الحدود، وذلك كخطوة أولية نحو اتفاق دائم يمنع اندلاع حرب.
موقف بيروت وحزب الله
يواجه لبنان تحديات داخلية معقدة في التعامل مع هذه التهديدات. فالحكومة اللبنانية، التي تعاني من أزمات سياسية واقتصادية خانقة، تجد نفسها في موقف صعب بين المطالب الدولية وبين واقع النفوذ السياسي والعسكري لحزب الله. بينما يدين المسؤولون اللبنانيون التهديدات الإسرائيلية ويؤكدون حق بلادهم في الدفاع عن سيادتها، فإن قدرتهم على نزع سلاح حزب الله أو التحكم الكامل في قراراته العسكرية تبدو محدودة. من جانبه، يواصل حزب الله تأكيده على استعداده لأي مواجهة، ويرفض التخلي عن سلاحه أو التراجع عن مواقعه، مؤكداً أن الرد على أي اعتداء إسرائيلي سيكون حاسماً.
التبعات الإقليمية والدولية
إن التهديدات المتبادلة في المنطقة الحدودية اللبنانية الإسرائيلية لا تقتصر تبعاتها على هذين البلدين فقط، بل تحمل في طياتها مخاطر جدية بجر المنطقة بأسرها إلى حرب أوسع نطاقاً. من شأن مثل هذا الصراع أن يعمق الأزمات الإنسانية، ويؤدي إلى موجات نزوح جديدة، ويزيد من الضغوط على الاقتصاد العالمي، خاصة أسواق الطاقة. كما أنه قد يعرقل أي جهود دبلوماسية أوسع لتهدئة الأوضاع في الشرق الأوسط. تبقى أعين المجتمع الدولي مترقبة، مع دعوات متواصلة للأطراف كافة لضبط النفس واللجوء إلى الحلول السلمية والدبلوماسية.
تستمر الجهود الدبلوماسية والوساطات في محاولة لاحتواء هذا التصعيد الخطير الذي يهدد بتحويل التوترات إلى مواجهة مفتوحة، مؤكدة أن السلام والاستقرار في المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال الحوار والحلول السياسية.





