مستقبل السودان الغامض في ظل ضغوط أمريكية وتصعيد عسكري
يشهد السودان أزمة متفاقمة منذ أبريل 2023، حيث اندلع صراع عنيف على السلطة بين القوتين العسكريتين الرئيسيتين في البلاد: القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف بـ "حميدتي". قبل اندلاع القتال، كان الجنرالان شريكين في الحكم بعد انقلابات سابقة، لكن الخلافات العميقة حول خطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني أدت إلى انهيار التحالف الهش بينهما، ما أدخل البلاد في دوامة من العنف لم تشهد لها مثيلاً.

تركز النزاع في بدايته في العاصمة الخرطوم، لكنه سرعان ما امتد ليشمل مناطق واسعة من البلاد، خاصة في إقليم دارفور وولايات أخرى مثل الجزيرة وكردفان، مخلفاً وراءه دماراً هائلاً وأزمة إنسانية كارثية.
الجهود الدبلوماسية والضغوط الأمريكية
في مواجهة هذا التصعيد، كثفت الولايات المتحدة جهودها الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي. وقد صدرت عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية بيانات متكررة تدعو طرفي النزاع إلى وقف فوري لإطلاق النار دون شروط مسبقة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن ودون عوائق إلى ملايين المدنيين المتضررين. وتؤكد واشنطن أن الحل العسكري غير ممكن وأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة.
لم تقتصر الضغوط الأمريكية على التصريحات فقط، بل شملت فرض عقوبات على أفراد وكيانات من كلا الجانبين يُعتقد أنهم يساهمون في إطالة أمد الحرب وعرقلة جهود السلام. كما شاركت واشنطن، إلى جانب المملكة العربية السعودية، في رعاية محادثات جدة التي هدفت إلى التوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الاتفاقات تعرضت لانتهاكات متكررة من الطرفين وفشلت في تحقيق استقرار دائم على الأرض.
الموقف العسكري على الأرض
على الرغم من الضغوط الدولية، يستمر التصعيد العسكري على الأرض. يرفض الجيش السوداني في كثير من الأحيان مقترحات وقف إطلاق النار، معتبراً أنها تمنح قوات الدعم السريع فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتعزيز مواقعها. وفي الأشهر الأخيرة، شن الجيش عمليات عسكرية واسعة النطاق، خاصة في مناطق من العاصمة أم درمان، معتمداً بشكل كبير على سلاح الجو والطيران المسير في محاولة لاستعادة السيطرة على المناطق التي فقدها.
في المقابل، لا تزال قوات الدعم السريع تسيطر على أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم ومناطق استراتيجية أخرى، كما وسعت نفوذها بشكل كبير في إقليم دارفور وولايات حيوية مثل ولاية الجزيرة، التي كانت تعتبر سلة غذاء السودان. هذا الواقع العسكري المعقد يخلق حالة من الجمود، حيث لا يبدو أن أياً من الطرفين قادر على تحقيق نصر عسكري حاسم، مما ينذر بحرب استنزاف طويلة الأمد.
الأزمة الإنسانية وتداعياتها
تعد التداعيات الإنسانية للصراع هي الأكثر مأساوية، حيث يواجه الشعب السوداني واحدة من أسوأ الأزمات في العالم. وقد أدت الحرب إلى تفاقم الوضع الهش أصلاً، ويمكن تلخيص أبرز الآثار في النقاط التالية:
- النزوح واللجوء: نزح الملايين من الأشخاص داخل السودان، بينما فر مئات الآلاف إلى الدول المجاورة مثل تشاد ومصر وجنوب السودان، مما خلق ضغطاً هائلاً على الموارد المحدودة في تلك البلدان.
- انعدام الأمن الغذائي: يعاني أكثر من نصف سكان السودان من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، مع تحذيرات متكررة من منظمات دولية من خطر حدوث مجاعة في أجزاء واسعة من البلاد.
- انهيار القطاع الصحي: خرجت غالبية المستشفيات والمرافق الصحية في مناطق النزاع عن الخدمة بسبب القصف المباشر أو نقص الإمدادات الطبية والكوادر، مما ترك الملايين دون رعاية صحية أساسية.
- انتهاكات حقوق الإنسان: وثقت تقارير حقوقية دولية ارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة النطاق من قبل طرفي النزاع، بما في ذلك العنف الجنسي والقتل على أساس عرقي والنهب الممنهج للممتلكات.
إلى أين يتجه السودان؟
في ظل هذا المشهد المعقد، يبدو مستقبل السودان محفوفاً بالمخاطر. فبينما يصر البيت الأبيض والمجتمع الدولي على الحل الدبلوماسي، يستمر التصعيد العسكري على الأرض، مما يعكس الفجوة الكبيرة بين المساعي الدولية والواقع الميداني. إن رفض الجيش المستمر لهدنة إنسانية شاملة وتمسك كل طرف بمواقفه العسكرية يجعلان من الصعب التنبؤ بنهاية قريبة للصراع.
يتجه السودان نحو مرحلة أكثر خطورة من التفكك والصراع طويل الأمد، ما لم تحدث متغيرات جذرية تفرض على الطرفين المتحاربين الجلوس إلى طاولة المفاوضات بجدية. وحتى ذلك الحين، يبقى المدنيون هم الضحية الأكبر لهذا الصراع المدمر، وتظل آمالهم في السلام والأمن معلقة في انتظار تحرك دولي أكثر حزماً وإرادة سياسية حقيقية من قادة الحرب.




