تعاون مصري كوري جنوبي لتعزيز الاستقرار وحل النزاعات سلمياً
في خطوة تهدف إلى تعميق العلاقات الثنائية وتعزيز التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية، استضافت القاهرة في يناير 2022 قمة رئاسية هامة جمعت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية كوريا الجنوبية آنذاك، مون جاي-إن. وقد شكل اللقاء، الذي كان الأول من نوعه لرئيس كوري جنوبي يزور مصر منذ 16 عاماً، منصة لتأكيد المبادئ المشتركة بين البلدين، وفي مقدمتها ضرورة اللجوء إلى الوسائل السلمية والدبلوماسية لتسوية النزاعات القائمة في المنطقة والعالم.

خلفية اللقاء وأبعاده الاستراتيجية
تأتي هذه القمة في سياق سعي البلدين لرفع مستوى علاقاتهما إلى "شراكة تعاونية شاملة". فمنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، تطورت الروابط بشكل مطرد، خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية. وتنظر كوريا الجنوبية إلى مصر باعتبارها شريكاً محورياً وبوابة استراتيجية نحو أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا، بينما ترى مصر في كوريا الجنوبية نموذجاً تنموياً متقدماً وشريكاً تكنولوجياً وصناعياً يمكن الاعتماد عليه في تحقيق أهداف رؤية مصر 2030.
محاور المباحثات الرئيسية
ركزت المباحثات بين الزعيمين على مجموعة واسعة من الملفات التي تعكس عمق وتنوع الشراكة المنشودة. وشملت هذه المحاور جوانب سياسية واقتصادية ودفاعية، حيث اتفق الجانبان على تكثيف التعاون في عدة قطاعات حيوية، من أبرزها:
- التعاون الاقتصادي: تم بحث سبل زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات الكورية المباشرة في مصر، مع التركيز على المشروعات القومية الكبرى، مثل تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
- التكنولوجيا والصناعات المستدامة: نالت مجالات الطاقة النظيفة اهتماماً خاصاً، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتصنيع السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى التعاون في تكنولوجيا تحلية مياه البحر.
- التعاون الدفاعي: ناقش الجانبان سبل تعزيز الشراكة في مجال الصناعات الدفاعية ونقل التكنولوجيا، وهو ما توج لاحقاً بتوقيع عقود هامة في هذا المجال.
- القضايا الإقليمية: استعرض الزعيمان وجهات النظر حول آخر المستجدات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية والأوضاع في ليبيا.
التأكيد على التسوية السلمية للنزاعات
كان الموقف المشترك بشأن ضرورة حل النزاعات بالطرق السلمية هو السمة الأبرز للمباحثات السياسية. وأكد الرئيسان على أهمية دعم الحلول الدبلوماسية القائمة على الحوار واحترام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، تم التأكيد على دعم مصر لحل الدولتين كأساس لتسوية القضية الفلسطينية، وهو الموقف الذي وجد تفهماً وتقديراً من الجانب الكوري الجنوبي. كما شدد الطرفان على ضرورة دعم المسارات السياسية في ليبيا بما يضمن استقرارها ووحدة أراضيها، ورفض التدخلات الخارجية. ويعكس هذا التوافق رغبة مشتركة في المساهمة الفعالة في تحقيق الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أهمية الزيارة وتأثيرها المستقبلي
لم تكن الزيارة مجرد لقاء بروتوكولي، بل مثلت نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي بين القاهرة وسيول. وقد تجسدت نتائجها في توقيع عدد من مذكرات التفاهم التي تغطي مجالات متنوعة مثل التجارة، والصناعة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا. إن الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة التعاونية الشاملة يفتح آفاقاً واسعة لمصر للاستفادة من الخبرات الكورية في التنمية التكنولوجية والصناعية، بينما يوفر لكوريا الجنوبية شريكاً إقليمياً موثوقاً يتمتع بثقل سياسي واقتصادي كبير في منطقة مضطربة، مما يعزز من دور البلدين كقوى فاعلة في دعم السلام والاستقرار العالمي.





