توسع التأمين الصحي الشامل: الإسكندرية تنضم للمنظومة الوطنية
في خطوة محورية ضمن جهود الدولة المصرية لتعزيز الرعاية الصحية وتوفير تغطية شاملة لجميع المواطنين، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مؤخرًا عن ضم محافظة الإسكندرية إلى منظومة التأمين الصحي الشامل. يأتي هذا الإعلان ليؤكد التزام الحكومة بتوسيع نطاق المنظومة لتشمل كافة محافظات الجمهورية تدريجيًا، مقدمةً بذلك نموذجًا فريدًا للعدالة الاجتماعية في مجال الصحة.

خلفية عن منظومة التأمين الصحي الشامل
تُعد منظومة التأمين الصحي الشامل مشروعًا وطنيًا استراتيجيًا يهدف إلى تحقيق تغطية صحية شاملة لجميع المواطنين المصريين، بما يضمن حصولهم على خدمات صحية عالية الجودة دون تحمل أعباء مالية تفوق قدرتهم. انطلقت المنظومة رسميًا في عام 2018، وتعتمد على مبدأ التكافل الاجتماعي، حيث يتشارك الجميع في تمويلها لتوفير الرعاية الصحية للمحتاجين، بغض النظر عن حالتهم الاجتماعية أو قدراتهم المادية. تسعى المنظومة إلى القضاء على الإنفاق الشخصي المباشر على الصحة (Out-of-Pocket Expenses) الذي يمثل عبئًا كبيرًا على الأسر، واستبداله بنظام يعتمد على الاشتراك المسبق والتغطية الواسعة.
تم تصميم النظام ليكون شاملًا من حيث الخدمات التي يقدمها، بدءًا من الفحوصات الطبية الأولية والعلاج الدوائي، وصولًا إلى التدخلات الجراحية المعقدة وعلاجات الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى خدمات التأهيل والرعاية الوقائية. يعكس هذا التوسع الشامل رؤية الدولة المصرية لبناء مجتمع صحي ومنتج، حيث تُعتبر الصحة حقًا أساسيًا لكل مواطن.
يجري تطبيق المنظومة على مراحل متتالية في المحافظات المختلفة. بدأت المرحلة الأولى بمحافظات قناة السويس (بورسعيد، الإسماعيلية، السويس) بالإضافة إلى الأقصر وأسوان وجنوب سيناء، والتي شهدت نجاحًا ملحوظًا في تطبيق النظام وتكييف البنية التحتية الصحية لاستيعاب متطلباته الجديدة. يمثل هذا التدرج في التطبيق استراتيجية حكيمة لضمان جودة الخدمات المقدمة والتغلب على أي تحديات قد تواجه عملية التحول.
أهمية ضم الإسكندرية للمنظومة
يُعد ضم محافظة الإسكندرية، ثاني أكبر مدينة وعاصمة مصر الساحلية، إلى منظومة التأمين الصحي الشامل خطوة ذات أهمية بالغة وتأثير واسع النطاق. تُعرف الإسكندرية بكثافتها السكانية العالية وأهميتها الاقتصادية والتاريخية، مما يجعلها إضافة محورية للمنظومة. من المتوقع أن يستفيد ملايين المواطنين في الإسكندرية من هذا القرار، حيث سيتاح لهم الوصول إلى شبكة واسعة من مقدمي الخدمات الصحية المتعاقدين مع المنظومة، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات المتخصصة.
يُتوقع أن يؤدي هذا التوسع إلى تحسين كبير في مؤشرات الصحة العامة للمحافظة، من خلال توفير رعاية صحية متكاملة تتسم بالجودة والاستمرارية. سيشمل ذلك الكشف المبكر عن الأمراض، وتقديم العلاج الفعال، وتغطية تكاليف الأدوية والتحاليل والإشاعات، مما يخفف العبء المالي عن كاهل الأسر ويضمن عدم حرمان أحد من العلاج بسبب التكاليف. كما سيساهم في رفع مستوى الوعي الصحي وتعزيز الرعاية الوقائية بين سكان المحافظة.
تصريحات رئيس الوزراء والرؤية الحكومية
في تصريحاته حول هذا التطور، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن ما تحقق في منظومة التأمين الصحي الشامل يعكس جوهر المشروع وهو أن "يصل الدعم لمن يحتاجه بالكرامة التي يستحقها". شدد رئيس الوزراء على أن الحكومة تولي اهتمامًا خاصًا لضمان جودة الخدمات المقدمة ضمن المنظومة، وأنها تعمل باستمرار على تطوير البنية التحتية للمنشآت الصحية وتدريب الكوادر الطبية والإدارية لضمان تقديم أفضل مستوى من الرعاية.
تُعبر هذه التصريحات عن رؤية حكومية واضحة تضع صحة المواطن في مقدمة الأولويات، وتؤكد على أن توفير الرعاية الصحية ليست مجرد خدمة، بل هي حق إنساني أساسي وضرورة لتحقيق التنمية المستدامة. وتستهدف الحكومة استكمال تغطية جميع محافظات الجمهورية بالمنظومة بحلول عام 2032، وهو ما يتطلب جهودًا مستمرة وتخطيطًا دقيقًا.
التحديات والآفاق المستقبلية
لا شك أن تطبيق منظومة بحجم التأمين الصحي الشامل في محافظة كبيرة مثل الإسكندرية يواجه تحديات متعددة. تشمل هذه التحديات ضمان توافر الكوادر الطبية المؤهلة، وتجهيز البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية بما يتوافق مع معايير الجودة المطلوبة، بالإضافة إلى التحديات المالية المتعلقة باستدامة تمويل المنظومة. ومع ذلك، تؤكد الحكومة على استعدادها التام لمواجهة هذه التحديات من خلال استثمارات ضخمة في القطاع الصحي والشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
تتطلع مصر من خلال هذا المشروع الطموح إلى بناء نظام صحي قوي ومرن قادر على تلبية احتياجات جميع المواطنين، ومواجهة الأزمات الصحية المستقبلية بفعالية. يعتبر ضم الإسكندرية خطوة كبيرة على طريق تحقيق هذا الهدف، ويُبشر بمستقبل أفضل للرعاية الصحية في مصر، حيث يتمتع كل مواطن بحقه في حياة صحية وكريمة.





