جدل أمني يحيط بمباراة إيطاليا وإسرائيل: دور الموساد وتأمين الوفد الإسرائيلي
أثارت أنباء عن منح وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوسي، إذناً سرياً لجهاز الموساد الإسرائيلي للتحرك داخل الأراضي الإيطالية، وتحديداً في مدينة أوديني، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية الإيطالية. جاء هذا الإذن، الذي كشف عنه ساسة إيطاليون، بهدف تأمين البعثة الإسرائيلية لكرة القدم التي كان من المقرر أن تواجه إيطاليا في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضمن الجولة الثامنة للمجموعة التاسعة من تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم 2026. وقد فتح هذا التطور الباب أمام تساؤلات حول السيادة الوطنية، وأطر التعاون الأمني بين الدول، وضرورة مثل هذه الإجراءات الاستثنائية.

الخلفية: مباراة وتوترات أمنية محتملة
في سياق التحضيرات لمباراة كرة قدم ذات أهمية رياضية ودبلوماسية بين المنتخبين الإيطالي والإسرائيلي، والتي كانت ستقام في مدينة أوديني شمال إيطاليا، برزت مخاوف أمنية دفعت السلطات الإيطالية لاتخاذ خطوات غير تقليدية. لطالما كانت الوفود الإسرائيلية، ولا سيما الرياضية، محاطة بإجراءات أمنية مشددة في جميع أنحاء العالم، نظراً للحساسيات الجيوسياسية والأمنية التي تحيط بها. لذلك، لم يكن مستغرباً أن تكون هذه المباراة مصحوبة بتدابير أمنية مكثفة. ومع ذلك، فإن الكشف عن منح إذن سري لوكالة استخبارات أجنبية مثل الموساد للعمل على الأراضي الإيطالية تجاوز التوقعات، وحول القضية من مجرد ترتيب أمني إلى قضية سياسية ودبلوماسية ذات أبعاد أعمق.
الكشف عن الإذن السري والجدل المتصاعد
تفيد التقارير أن الكشف عن هذا الإذن جاء من قبل شخصيات سياسية إيطالية، ما يشير إلى وجود انقسام داخل الطيف السياسي الإيطالي حول هذه المسألة. وقد أثار هذا القرار نقاشاً حاداً حول عدة جوانب:
- السيادة الوطنية: يرى المعارضون أن السماح لوكالة استخبارات أجنبية بالعمل على الأراضي الإيطالية، حتى لو كان ذلك بهدف أمني، يعد مساساً بالسيادة الوطنية الإيطالية. وتساءلوا عن حدود هذا الإذن ومدى استقلالية عمل الموساد داخل إيطاليا.
- الضرورة والشفافية: شكك البعض في الضرورة القصوى لتدخل الموساد، مشيرين إلى كفاءة الأجهزة الأمنية الإيطالية وقدرتها على تأمين أي حدث على أراضيها. كما انتقدوا الطبيعة السرية للإذن، مطالبين بمزيد من الشفافية حول القرارات الأمنية الكبرى.
- التداعيات القانونية والدستورية: طرحت تساؤلات حول الأساس القانوني والدستوري لمنح مثل هذا الإذن، وما إذا كان يتطلب موافقة برلمانية أو على الأقل إحاطة للجان المختصة.
هذا الجدل لم يقتصر على الساحة السياسية، بل امتد إلى الإعلام والرأي العام، مع تعبير العديد من المحللين عن قلقهم من تداعيات هذا السابقة على الأمن القومي والعلاقات الدولية لإيطاليا.
تبريرات الحكومة والردود الرسمية
من جانبه، دافع وزير الداخلية ماتيو بيانتيدوسي عن القرار، مؤكداً أن الإذن جاء في إطار التعاون الأمني الدولي المعتاد بين الدول الصديقة، خاصة في تأمين الوفود عالية الخطورة. وأوضح أن التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية والأمنية أمر شائع لضمان أعلى مستويات الحماية، وأن دور الموساد كان تكميلياً لدور القوات الأمنية الإيطالية التي احتفظت بالمسؤولية الكاملة عن الأمن على الأرض. وأشار إلى أن الهدف الأساسي كان حماية الأرواح وتجنب أي حوادث قد تعكر صفو الحدث الرياضي. كما أكدت مصادر حكومية أن هذه الترتيبات ليست فريدة من نوعها وتتم في ظروف استثنائية تتطلب خبرة أمنية متخصصة.
التداعيات السياسية والأمنية
أدت هذه القضية إلى توترات داخل الائتلاف الحاكم والمعارضة. طالبت أحزاب المعارضة بإجراء تحقيق شامل لمعرفة ملابسات القرار ومن كان على علم به، وما إذا كانت هناك إجراءات مماثلة قد اتخذت في السابق دون علم الجمهور. كما دعا البعض إلى مراجعة شاملة للبروتوكولات الأمنية والتعاون الاستخباراتي مع الدول الأجنبية، لضمان عدم المساس بالسيادة الإيطالية وشفافية العمليات. على الصعيد الأمني، أثيرت مخاوف بشأن إمكانية تحديد المسؤولية في حال وقوع أي حادث، وما إذا كانت صلاحيات الموساد تتداخل مع صلاحيات الأجهزة الإيطالية. هذا الحادث يسلط الضوء على التعقيدات المتزايدة للأمن في عالم مترابط، حيث تتشابك التهديدات المحلية بالتهديدات الدولية.
الآثار الأوسع والسياق الدولي
تكتسب هذه القضية أهمية أوسع في سياق التعاون الأمني الدولي ومواجهة التهديدات العابرة للحدود. فبينما تسعى الدول إلى تعزيز أمنها من خلال تبادل المعلومات والتعاون مع وكالات استخباراتية أخرى، يظل الحفاظ على السيادة الوطنية والشفافية أمراً محورياً. يسلط هذا الجدل الضوء على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه الحكومات بين الضرورات الأمنية والمبادئ الديمقراطية. إن قضية الموساد في أوديني ليست مجرد حادثة أمنية معزولة، بل هي مؤشر على التحديات التي تواجهها الدول في إدارة العلاقات الأمنية المعقدة في عالم مضطرب، وكيف يمكن أن تتحول الترتيبات الأمنية السرية إلى قضايا سياسية حساسة تؤثر على الرأي العام والثقة في المؤسسات الحكومية.





