جدل في مصر بعد تصريحات لإبراهيم عيسى حول هوية زوار المتحف الكبير
أثارت تدوينة للإعلامي المصري البارز إبراهيم عيسى، في أوائل أكتوبر 2023، جدلاً واسعاً في الأوساط المصرية، وذلك بعد تعليقه على الإقبال الجماهيري الكبير على زيارة المتحف المصري الكبير. ربط عيسى في منشوره بين هذا الشغف الشعبي بالتاريخ والحضارة المصرية القديمة وبين ما وصفه بتنازلات الدولة للتيارات الدينية المحافظة، مما أدى إلى انقسام حاد في الآراء على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

خلفية التصريحات وسياقها
بدأت القصة عندما نشر إبراهيم عيسى تعليقاً عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، أشاد فيه بالمشهد الحضاري لآلاف الزوار من العائلات والشباب المصريين الذين توافدوا على المتحف المصري الكبير خلال فترة التشغيل التجريبي. واعتبر هذا الإقبال دليلاً على ارتباط المصريين العميق بهويتهم وتاريخهم.
إلا أن المنشور لم يقتصر على الإشادة، بل تضمن تساؤلاً نقدياً وجهه عيسى للدولة، قائلاً: "هل تتوقف الدولة عن التزلف والتودد والتنازل للسلفيين وللعمائم المتزمتة؟". وبهذا، وضع عيسى الإقبال على المتحف في مواجهة ما يراه توجهاً عاماً من قبل الدولة نحو استرضاء التيارات الدينية التي قد لا تتبنى نفس الشغف بالتراث الفرعوني، معتبراً أن هناك تناقضاً بين المشروع الثقافي الذي يمثله المتحف والخطاب الديني السائد الذي تدعمه بعض الجهات.
ردود فعل متباينة وانقسام مجتمعي
فور انتشار التدوينة، انقسمت ردود الفعل بشكل واضح بين فريقين رئيسيين. أيّد الفريق الأول طرح إبراهيم عيسى، ورأى في كلماته تعبيراً شجاعاً عن صراع ثقافي حقيقي في مصر. واعتبر هؤلاء أن اهتمام الجمهور بالمتحف هو بمثابة استفتاء شعبي لصالح هوية مصر المدنية والحضارية، ورفض للأفكار التي تحرّم الفنون والتماثيل وتعتبر التاريخ الفرعوني "جاهلية".
في المقابل، وجّه الفريق الآخر انتقادات حادة لعيسى، متهمين إياه بإثارة الفتنة وخلق استقطاب غير حقيقي في المجتمع. وشدد هؤلاء على أن محبة التاريخ المصري لا تتعارض مع التدين، وأن الكثير من زوار المتحف هم من المتدينين الذين يفخرون بتاريخ بلادهم. كما استنكروا استخدام مصطلحات مثل "العمائم المتزمتة"، معتبرين أنها تمثل هجوماً غير مبرر على رموز دينية وتعميماً يسيء لشريحة واسعة من المجتمع.
أبعاد الجدل: الهوية والثقافة والدولة
تجاوز الجدل حدود المنشور ليطرح أسئلة أعمق حول الهوية الوطنية في مصر والمشروع الثقافي للدولة. فالمتحف المصري الكبير لا يمثل مجرد صرح أثري، بل هو رمز لمشروع قومي ضخم يهدف إلى ترسيخ مكانة مصر كوجهة ثقافية عالمية، ويعتمد بشكل أساسي على إرثها الفرعوني.
وقد سلطت تصريحات عيسى الضوء على التجاذب المستمر بين مكونات الهوية المصرية المختلفة، وخصوصاً بين البعد الفرعوني والبعد الإسلامي. وأعادت النقاش حول الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في تشكيل الوعي الثقافي والوطني، وما إذا كان ينبغي عليها تبني خطاب يركز على التاريخ القديم أم الموازنة بين مختلف الروافد الثقافية والدينية التي شكلت مصر الحديثة. وفي النهاية، عكس هذا الجدل حالة من الحوار المجتمعي الضروري حول مستقبل الهوية الثقافية للبلاد.





